الأطفال الصغار 12-15 أشهر

احترامنا لأبنائنا... أمرٌ لا يعرف الجميع مدى أهميته!

احترامنا لأبنائنا... أمرٌ لا يعرف الجميع مدى أهميته!
النشر : يونيو 10 , 2020
آخر تحديث : أغسطس 04 , 2022
أتمت حنان الماجستير من الجامعة الأردنية عام ٢٠٠٥، حيث كان موضوع رسالتها التي أعدتها لنيل الماجستير يتناول التعلق لدى المراهقين وعلاقته بتقدير... المزيد

التقيت بمجموعة من النساء يوماً، وحين رحت أحدث ابنتي وتستمع بهدوء إلى كلماتي، وتعيش طفولتها الجميلة في الوقت نفسه باللعب ومشاركة الآخرين بكل هدوء وأدب، وجدت التعليق الذي قالته أكثر من واحدة منهن: "ما شاء الله، الله يخليها لكِ، يا ليت أولادنا عاقلون ومتجاوبون مثلها." صمتُّ لبرهة وقلت: "كلنا نريد أن يحترمنا أولادنا، لكن هل نحترمهم نحن؟!" طبعاً وجدتُ صمتاً متشرباً بالصدمة البادية على وجوههن! ففي ثقافتنا العربية التي تحثنا دوماً على "احترام الكبير ورأي الكبير" (مع مغالطة هذا التعميم؛ إذ إن العمر لا يعني الوعي)، فإننا قلّ ما نجد من يحترم الأطفال ويستمع لرأيهم ويأخذه بالاعتبار؛ حتى لو لم يكن تنفيذه ممكناً. وللأسف، أرى آثار ذلك بالنتيجة التي شكلت رد الفعل العكسي لهذا الأمر: إذ أصبح هنالك جيل كامل يفتقر إلى الاحترام ككل، إلا فيما ندر.

 

يبدأ احترام الطفل منذ لحظاته الأولى في بطن الأم؛ فهل ننتظره بحب؟ هل نتهيأ له بالاستعداد جيداً لقدومه؟ هل نسعى لمعرفة الأفضل في التعامل معه حين يأتي؟ هل نهيء له البيئة المادية والنفسية الملائمة التي سنستثمر فيها في نموه؟ وعند قدومه، يكون من المهم أن نسعى لتلبية احتياجاته المختلفة: بالاحتضان، والرضاعة، والنظافة، والاهتمام بكل كلمة يسمعها حتى منذ صغره.

هل تعلمين أن السنوات الأولى من عمر الطفل يتعلم فيها الكثير الكثير من الكلمات والمفردات حتى لو لم يتجاوب معها -ظاهرياً- وهو ما يزال بين ذراعيكِ؟ لذا، لا تستهيني بأي شيء يُقال في هذه الفترة عن طفلك، إذ سيبدأ بتشربه.

تغيظني تلك "الممازحات" التي تقول: "ما أشنعه" بهدف "ردّ العين"، أو "يا الله ما أنكدك"، أو "يبدو أن دمك ثقيل مثل عمك!" أو "يد ابنتي فالتة وكل ما تمسكه يقع ويُكسر"، أو أي شيء من هذا القبيل. في الواقع، فإن من يقول مثل هذه الكلمات مرة سيكررها مرات ومرات، والأنكى أن يكون ذلك من الأبوين نفسهما، فيرسخان مثل هذه الأفكار في عقلهما قبل أن يرسخانها في عقول الابن؛ فيعتقد الابن بذلك بدوره ويرى أن هذه الصفة ملازمة له ولن تتغير.

 

احترام أبنائنا في مرحلة الطفولة:

لكي يحترمنا أولادنا لا بد أن نحترمهم أولاً:

  • باختيار الكلمات المشجعة والباحثة عن إيجابيات ما فيهم.
  • تعزيز وعيهم وشرح الأمور لهم بطريقة يفهمونها حتى لو كانت معقدة.
  • منحهم الخيارات عندما يكون ذلك ممكناً.
  • تشجيعهم على تحمل المسؤوليات المناسبة لأعمارهم.
  • الاستماع إلى مدخلاتهم في مختلف الأمور التي تتم أمامهم، ومراعاتها وأخذها بالاعتبار، خصوصاً إذا كانت أموراً تتعلق بالطفل وباحتياجاته وبما يخصه.

وفي الوقت نفسه، علينا أن نسمح لهم بأن يعيشوا المرحلة العمرية التي يمرون بها من دون مبالغة في التوقعات. أحياناً يشتاط الأهل غضباً إذا ما وسَّخ الطفل قطعة أثاث بألوانه، أو وقع منه كوب عصير، أو حتى وقع الطفل نفسه في محاولته لتجربة حركة جديدة يحاول تقليدها. هذه الأخطاء العادية دلالة على النمو وفرصة للتعلم، ومن الضروري اعتبارها كذلك والتصرف فيها بهدوء خصوصاً عندما لا تكون مقصودة، وتقبل مشاعر الطفل التي ستتسم بالندم والضيق بشكل طبيعي ومحاولة تسميتها وتهدئتها، بدل زيادة مفاقمتها في داخل الطفل فلا يدري ماذا يفعل وكيف يتصرف، بل وربما تضيف إليها الغضب والإحباط جراء تصرف الأهل أو غيرهم من الكبار في محيط الطفل.

 

احترام أبنائنا في المراهقة:

تزداد أهمية الاحترام في مرحلة المراهقة. هذه المرحلة تحمل الكثير من التقلبات التي ترافق التغيرات الجسمية والعقلية والهرمونية لدى الأبناء. لذا، فإن لها وضعها الخاص الذي يحتاج إلى المراعاة والاهتمام وزيادة الاحترام:

  • يصبح الأخذ بأذواقهم في اختيار ما يخصهم أكثر أهمية.
  • تشجيعهم على بناء الصداقات الصحية والتعامل مع الخلافات فيها أمراً مهماً؛ إذ ستشكل لبنةً لطرق التعامل مع الآخرين في المستقبل.
  • كما أنه من الضروري تقبل التحديات المختلفة التي تأتي مع هذه المرحلة والتعامل معها بطريقة صحية تتسم باحترام الأبناء والتعاون معهم فيما يهمهم.

(لقراءة المزيد عن التعامل مع الأبناء في المراهقة، يمكنك الرجوع إلى مقالنا السابق: المراهقة محطة حرجة من محطات العمر، كيف نتعامل معها؟)

وحين يكبر الأبناء ويصبحون بالغين راشدين قد فتحوا منازلهم الخاصة وبدؤوا حياتهم الزوجية، من الضروري جداً للأهل أن يتنحوا جانباً ويتركوا الأبناء يسيّرون حياتهم بالطريقة التي يريدونها. هذا احترام لهم أولاً، ولشركاء حياتهم ثانياً، ولأبنائهم القادمين ثالثاً. لا أعني الانفصال والانقطاع التامّين بالطبع، بل أن نغلق الباب تاركين عليه لافتةً تقول: "إن احتجتمونا فنحن هنا".

فكم من بيوتٍ تدمرت وتتدمر بسبب تدخل الأهل الزائد وكأن ابنهم أو ابنتهم ما يزالون لا يعون شيئاً، وكم من ابنٍ لا يفهم الاحترام إلا الطاعة العمياء خيراً أو شراً، فيظلم معه زوجته وأبناءه لانصياعه لكل ما يقوله أهله، وكم من فتاة هجرت زوجها وتركته بالأيام والأشهر في وقت حاجة أو غربة لأنها لا تريد أن "تغضب" أمها أو أن تتركها وحيدة؟.

كل هذا التدخل في خصوصية الحياة يتناقض مع الاحترام، بل وحتى مع أبسط حقوق الإنسان المتفق عليها عالمياً. لذا، لا بد أن يعمل الأهل على تغيير توقعاتهم بأن "ابني لي! وويلٌ لمن سيأخذه مني!" إلى: "أتممت مهمتي مع ابني، وسأتركه يقوم بمهمته في أسرته." طالما أننا ربينا أبناءنا باحترام حقيقي وعلى أسس صحيحة وبذلنا وسعنا في ذلك فإن مهمتنا تكون قد اكتملت، وسيصبح ما سيأتي بيد الأبناء لاتخاذ قراراتهم الخاصة بإيجابياتها وسلبياتها.

ويحضرني هنا قول جبران خليل جبران: "أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم.... أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم."

لنحسن إعداد أبناءنا، ولنحترمهم حق الاحترام، فستجني أيدينا ما زرعناه بأنفسنا، خصوصاً مع أبنائنا، فما نبذره لن نجني ثماره نحن فقط، بل دائرة واسعة من العلاقات التي تدور حولنا وحول أبنائنا وستمتد حتماً إلى العالم بأسره. لذا، فلنترك في نفوس أبنائنا بذوراً سوية ينثرونها حولهم بدورهم حيثما كانوا.



اقرئي أيضاً:

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية