صحة الأطفال

انفجار بيروت: مساعدة الأطفال في التغلب على مشاعر الصدمة

انفجار بيروت: مساعدة الأطفال في التغلب على مشاعر الصدمة
النشر : أغسطس 23 , 2020
آخر تحديث : يونيو 21 , 2022
سميرة حجار هي أخصائية نفسية تقوم بالعلاج عن طريق اللعب. من مؤهلاتها الأكاديمية درجة الماجستير في العمل الاجتماعي الاكلينيكي مع العائلات والشباب... المزيد

غير انفجار بيروت حياة عشرات الأطفال في اليوم الرابع من الشهر الحالي. فبعد مثل هكذا حادث، يمكن أن يصاب الأطفال بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، التي قد تستمر لمدة طويلة بعد الحادث.

وتشمل هذه الأعراض: تعرض الطفل لكوابيس مستمرة، واسترجاعه لذكريات وصور من وقت الحادثة، وتجنبه لكل ما يذكره بها، بالإضافة إلى صعوبات النوم والتركيز، وفقدان الاهتمام بالأنشطة الممتعة في حياته.

يعتمد العمر الذي يمكن للطفل فيه أن يعبر ويتحدث عن ذكرياته وما مر به على قدرة الطفل المعرفية وبدايات الكلام بالنسبة له. 

فكلما كان وقت حدوث الصدمة في مرحلة مبكرة من عمر الطفل، كلما كان من الصعب بالنسبة له أن يرتب الأحداث والذكريات في عقله ثم يرويها بشكل منطقي.

فالطفل يعبر عن الأجزاء التي أثرت فيه بشكل أكبر خلال الحادث ضمن قدراته الكلامية.

تشير الدراسات إلى أن نظام الذاكرة لدينا يكون فعالاً في مرحلة الطفولة المبكرة، وبالتالي فإن الطفل الذي يبلغ من العمر عامين ونصف قادر على تذكر الأحداث التي حدثت له عندما كان عمره 15 شهراً.

وبالمثل، فإن الطفل في سن الخامسة والنصف قادر على تذكر الأحداث التي حدثت له عندما كان في الرابعة من عمره.


لذلك فإن هناك حاجة ملحة لأن يكون أولياء الأمور ومقدمي الرعاية ومعلمي المدارس على دراية بهذه المعلومات!

من أجل إعطاء هؤلاء الأطفال الصغار ما يحتاجونه من دعم يساعدهم على التعامل مع هذه التجربة المؤلمة والتغلب عليها.

فكيف يمكن لأولياء الأمور ومقدمي الرعاية أن يقدموا المساعدة؟

عندما يكون الدمار هائلاً ومفاجئاً تغطيه كافة وسائل الإعلام وعلى نطاق واسع، كما حدث في انفجار مرفأ بيروت، يصبح حدثاً لا يمكن تجاهله أبداً!

وتصبح فكرة حماية الأطفال من مثل هذه المشاهد المروعة المعروضة على التلفاز أمراً مستحيلاً (سواءً عانوا من الصدمة بشكل مباشر أو أنهم كانوا يشاهدون ما يجري من المنزل)، مما يخلق مصدراً إضافياً للتوتر والخوف بالنسبة للأطفال.

ومع وقوع انفجار بيروت، لم يتمكن الكثير من الأمهات والآباءت من إخفاء ردود أفعالهم فور حدوث الانفجار عن أطفالهم، ليضطروا بعد ذلك إلى أن يجيبوا على أسئلة لم يكونوا مستعدين لها بعد!


فالأطفال يسألون عادةً أسئلة مثل: "كيف يبدو الناس وهم أموات؟" أو "هل الانفجار يؤلم؟" وغير ذلك من أسئلة مشابهة.  

من المهم أن يكون لدى الأهل أساليب تواصل مفتوحة مع أطفالهم الصغار من خلال التحدث والاستماع والمشاركة والإجابة على الأسئلة بصدق، بالإضافة إلى تشجيعهم على التعبير عن مخاوفهم بدلاً من كبتها أو إنكارها.

غالباً ما يكون الموت موضوعاً يتجنبه الجميع في البيوت ونادراً ما تتم مناقشته مع الأطفال الصغار.

فيحاول الأهل إخفاء بعض الحقائق أو محاولة استخدام لغة مناسبة للأطفال، الأمر الذي قد يكون مربكاً جداً للأطفال الصغار.

على سبيل المثال، إذا تعرض طفلان يبلغان من العمر أربع سنوات ويلتحقان بالمدرسة نفسها لنفس الانفجار (إما بشكل مباشر أو لمشاهد الانفجار على التلفاز) وناقشا الحادث مع والديهما بهذه الطريقة:

الطفل الأول: هل انفجر فلان في حادثة الانفجار؟

والداه: نعم، هذا ما حدث.

****

الطفل الثاني: هل انفجر فلان في حادثة الانفجار؟

والده: لا، إن فلان سقط نتيجة للانفجار وارتطم رأسه بالرصيف فمات.

***

في النهاية، سيتحدث الطفلان فيما بينهما عن الانفجار، ومن المرجح أن يشارك الطفل الأول ما قاله له والداه، مما قد يتسبب في صدمة إضافية للطفل الثاني، بالإضافة إلى خلق نوع من عدم الثقة تجاه والديه.


إليكم مثال آخر يوضح كيف أن استخدام لغة مضللة غامضة في الإجابة عن أسئلة الأطفال يمكن أن تسبب المزيد من التعقيدات:

الأم: ذهبت فلانة إلى الجنة عند الله.

الطفل: هل فلانة ملاك؟

الأم: نعم، هي ملاك رائع.

الطفل: "هل سأصبح ملاكاً أيضاً في يوم من الأيام؟"
        "لماذا يريد الله لنا أن نصعد إلى الجنة؟"
        "كيف صعدت فلانة إلى الجنة بينما هي مدفونة في الأرض؟"

ما يمكن استنتاجه من المحادثة أعلاه، أن الأطفال فضوليون للغاية وإذا استخدمتم إجابات غامضة رداً على أسئلتهم، فإن ذلك سيشجعهم فقط على طرح المزيد من الأسئلة حتى يحصلوا على إجابة معقولة.

كما أنهم إذا لم يحصلوا على الحقائق، قد يستمرون بالتساؤل عن نفس القضية لسنوات بعدها، وربما يخيل لهم أمورٌ أسوأ بكثير من الواقع.

هناك أسلوبٌ آخر يمكن للأهل تجربته، وهو إعادة الروتين والأدوار إلى ما كانت عليه قبل الحادثة مع السماح للأطفال الصغار بلعب ألعاب متعلقة بالكارثة أو رسم صور للانفجار أو استخدام الألعاب لإعادة تمثيل تفاصيل الصدمة.

من الضروري للناجين من الصدمات، وكذلك الأطفال الذين تأثروا بالأخبار عن بعد، أن يعيدوا تمثيل تجربة الصدمة التي تعرضوا لها في بيئة آمنة (يوفرها متخصصون وخبراء).

كما يجب السماح للطفل بتمثيل واختبار كل جانب من جوانب تجربته بغرض السيطرة عليها، فهذا يساعده في تقليل مشاعر العجز المرتبطة بالصدمة، ليتمكن في النهاية من فهم كل ما حدث. 

يجب على الأهل أيضاً أن يتوقعوا ويتقبلوا حالاتٍ من التراجع إلى سلوكياتٍ جديدة، مثل التبول في الفراش، لأنها تعتبر جزءً من آلية التكيف لدى الطفل.

أيضاً، عندما يُظهر الأطفال صعوبة في النوم، يجب على الأهل أن يتأقلموا مع الأمر، وأن يحاولوا أيضاً الحفاظ على الروتين من خلال توفير وسائل الراحة، مثل الإضاءة الليلية أو بعض الموسيقى أو الغناء أو سرد القصص.

ماذا يمكن للمعلمين في المدارس أن يفعلوا؟

بشكل عام، يمكن أن يؤدي وضع وممارسة خطة للإخلاء في المدارس إلى إنقاذ حياة الكثير من الأطفال الصغار، وتقليل آثار الصدمات لديهم. 

ونتيجة للصدمة فإن الأطفال الصغار يحتاجون إلى المزيد من التفهم والصبر، إلا أن المعلمين في المدارس يجب أن يحافظوا على روتين علاقتهم سابقاً مع الأطفال بشكل ثابت، وعلى توقعاتهم السابقة لسلوكياتهم وأدائهم، لأن هذا يعطي إحساساً أكبر بالأمان لدى الأطفال.

كما أن المعلمين يجب أن يعترفوا ويتعاملوا مع مشاعر الخوف والصدمة لديهم ليتمكنوا بعد ذلك من مساعدة الأطفال في الصف.


يمكن للمعلمين أيضاً تعليم الأطفال الصغار استراتيجيات التأقلم. ومن الأمثلة على ذلك الأنشطة القائمة على اللعب، حيث يستخدم الأطفال الألعاب والمواد الأخرى لإعادة تمثيل الأحداث.

قد تشمل المواد المقترحة سيارات الإسعاف وسيارات الشرطة والمروحيات وشخصيات عائلية.

يمكن أيضاً تشجيع الأنشطة البدنية في المدرسة لأنها تقلل من التوتر والقلق. بالإضافة إلى الأنشطة الفنية التي تساعد الأطفال على التعبير عن مخاوفهم بشكل رمزي. 

مما يحفزهم للتحدث عن تجربتهم عندما يطلب منهم المعلم رسم ما يخطر في بالهم أو اقتراح موضوع معين.


أخيراً، يمكن للمدرسين تشجيع طلابهم الصغار على استخدام عروض الدمى وأنشطة سرد القصص التي تساعدهم على التحدث عما حدث أثناء أو بعد الحادث.

سيؤدي القيام بهذه الأنشطة كمجموعات في الصف الدراسي إلى تعزيز الإحساس بالتجربة المشتركة، ويعطي الفرصة للتخلص من الأفكار المشوهة عن الصدمة والحادث.


المراجع:

  1. Alat, K. (2002). Traumatic Events and Children How Early Childhood Educators Can Help. Childhood Education, 79(1), 2-8. doi:10.1080/00094056.2002.10522756
  2. Gaensbauer, T. J. (1994). Therapeutic Work with a Traumatized Toddler. The Psychoanalytic Study of the Child, 49(1), 412-433. doi:10.1080/00797308.1994.11823071
  3. McNeil, Joan N., "After the factory explosion: Family reactions to death in a disaster" (1986). FMHI Publications. Paper 53. 
  4. Murray, C. J. (2006). Collaborative Practice . Addressing the Psychosocial Needs of Children Following Disasters. Journal for Specialists in Pediatric Nursing, 11(2), 133-137. doi:10.1111/j.1744-6155.2006.00055.x
  5. Prinstein, M. J., Greca, A. M., Vernberg, E. M., & Silverman, W. K. (1996). Children's Coping Assistance: How Parents, Teachers, and Friends Help Children Cope After a Natural Disaster. Journal of Clinical Child Psychology, 25(4), 463-475. doi:10.1207/s15374424jccp2504_11
  6. Sugar, M. (1992). Toddlers' traumatic memories. Infant Mental Health Journal, 13(3), 245-251. doi:10.1002/1097-0355(199223)13:33.0.co;2-4
  7. Vogel, J., & Vernberg, E. (1994). Intervening With Children After Disasters. PsycEXTRA Dataset. doi:10.1037/e500172006-010

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية