الأطفال 6-11 سنة

اختياراتي مدمرة أو معمرة حياتي؟

اختياراتي مدمرة أو معمرة حياتي؟
النشر : ديسمبر 04 , 2023
آخر تحديث : ديسمبر 04 , 2023

بقلم: زينة يسري طهبوب - موجهة تربوية معتمدة مختصة في الهوية التربوية وعافية الأمهات ومدربة تطوير الذات

 

في ظل الظروف الحالية كلنا نحلم بالتحرر الآن، التحرر على كافة الأصعدة.. تحرر النفس من الإحباط، تحرر العقول من المخاوف، تحرر أطفالنا من الشاشات، تحرر الأمة من الاستعمار وتحرر العالم بأسره من الفكر الرأس مالي الذي يتحكم بشاشتنا ومعدتنا وعقولنا.

المنطق يقضي أنّنا إذا سلكنا الطريق نفسه، فسنحصل على النتائج ذاتها. أما إذا غيرنا ما بداخلنا وبالتالي الطريق، فمن المؤكد أنه النتيجة ستختلف.

ويأتي السؤال: كيف سننتقل من حالة المستضعف إلى المتحكم بزمام أموره؟ وكيف سنصنع جيلاً قادراً وصلباً، لديه هوية وعمق في المحتوى؟ كيف سنبني القيادات التي ستصنع التاريخ؟ نحن الآن في هذه الحالة؛ فإما أن تكون فرصة تحول كي نرتقي بحالنا، وصحوة لنتحرك بتركيز نحو هدف واضح، أو أن نسلك الطريق ذاته الذي يتبع موجة مشاعر الغضب واليأس في كل مرة... الجواب سهل ممتنع.. من التربية!!

تبدأ صناعة القيادات التي تحمل هوية وطنية متينة من البيت! من الأسرة! تلك المحطة الأولى والأهم. ولكن كيف؟ سأطرح أفكاراً تربويةً، بهدف التفكر والتأمل (وهي قابلة للتطبيق)، أضعها بين أيديكم من خلال دراساتي ومشاهداتي.. لعلها تكون السبب في إعادة ترتيب أولوياتكم التربوية:

أن يكون لدى العائلة هوية تربوية:

وهي مجموعة القيم والأولويات التي تشكل خارطة الطريق أو البوصلة التي توجه نمط حياتكم. الهوية التربوية قرار تتخذه كل عائلة بأن تضع خطة طويلة الأمد وتتبعها خطوة بخطوة بصبر ويقين مجبولين بالحب والمتعة.

حتى أبسِّط الفكرة، فسأعطي مثالاً واقعياً: عندما أبدأ جلسات التوجيه التربوي مع الأم أسألها سؤالاً بهدف توجيه مسار الجلسات:

"بعد 20 سنة من الآن لما تقعدي مع ابنك/بنتك كيف تتخيلين شخصيته ؟"، غالباً ما يكون الجواب: "بحب يكون سعيد، ناجح، إنسان مسؤول، له بصمة، عنده أخلاق / دين / ضمير، يعتني بعائلته."

أنا: " حلو كتير! أوصفي لي برنامجك اليومي في الأيام العادية والعطل وكم معدل الوقت النوعي الذي تقضيه مع أطفالك؟ خلينا نفكر مع بعض هل الطريقة التي تقضون فيها الوقت ستحقق رؤيتك؟". غالباً تكون نية الأم طيبة لكن الواقع بعيد عن الهدف (يعني السلوك اليومي لا يقود لتحقيق الهدف).

لو كان هدفك أن يساهم ابنك/ ابنتك في رفع الأمة، إذاً من البديهي أن تكون شخصيته قوية، وأن يتمتع بسمات القائد، الواثق من نفسه، الفخور بهويته، أن يكون إنساناً مسؤولاً ولديه حس وطني. هنا أعود للأم بالسؤال: "هل يساهم نمط تربيتك أو تساهم سلوكياتك في الوصول إلى هذا الهدف؟"

 

التربية على تحمّل المسؤولية:

إذا أردت أن يكون لديك ابن مسؤول، فعليك البدء بإعطائه مسؤوليات ولو بسيطة من عمر الأربع سنوات - مثل ترتيب الألعاب - انتقالاً إلى مسؤوليات أكبر للأعمار الأكبر مثل المساهمة في حملات مدرسية أو تطوعية، فالتربية تراكمية!

التربية على تحمّل المسؤولية ستولد أبناءً مسؤولين. أما التربية على الاعتمادية، والتربية المتسلطة، وتربية ال "لا تربية" لن تكون مخرجاتها سليمة أبداً، بل ستنشئ أطفالا اتكاليين؛ مثل هذا المثال الذي نسمع عنه دائما:

شاب غير مبالٍ، لا يؤدي واجباته تجاه أسرته، ويحتاج مساعدة والدته حتى عندما يود شراء كيلو من بندورة، مع أنه قد يكون ممن سافروا حول العالم، ولكنه لا يملك مهارة اتخاذ القرار بشكل مستقل؛ لأنه لم يتربَّ ويتعود عليها.

لذلك، كمربيين علينا وضع هدف ورؤيا لنمط تربيتنا وألا نقود الحياة التربوية بعشوائية والتركيز على الأساسيات فقط (الأكل الشرب النوم واليوتيوب والألعاب وبالعكس)

 

التحفيز على دعم بعضنا بعضاً:

قال عالم الكيمياء أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل: "الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء.. هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ... ونحن نحارب الناجح حتى يفشل"!

لطالما درسنا أننا يجب أن نكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وأنّ علينا أن نكون كالجسد الواحد. ولكن للأسف في الواقع المجتمعي، ما زلنا نرى مخرجات تربية "أنا ومن بعدي الطوفان".

 

إذا أردنا النهوض بالأمة، فيجب على الوالدين إعادة برمجة أطفالهما ليفهم الطفل أنّ تفوق زميله لا يعني ضعفه هو، وأن حجب المعلومات عن غيره ليس قوة له، وأنّنا إذا حلّلنا أسباب نجاح جماعات معينة في العالم نستنتج أن دعمهم اللامحدود لبعضهم البعض من أهم عوامل نجاحهم.

 

التربية على القدوة الحسنة:

أولادك مرآتك! الأم الضعيفة والمهزوزة ستنشئ أولاداً غير واثقين، ومتخبطين. والأم التي تلعب دور الضحية سترسم صورة ذهنية تتسم بالضعف في ذاكرة أبنائها.

ما الحل، إذاً؟

العمل على تطوير ذاتك! وأن تكوني أفضل نسخة من نفسك. خصصي وقتاً لتعلم مهارة أو علم أو شيء جديد، طوري ثقتك بنفسك.

 

الاهتمام باللغة العربية:

لفت انتباهي في مكان إقامتي في إحدى دول الخليج العربي أنني أجد الأم الكورية تتحدث اللغة الكورية مع طفلها، والهندية تتحدث الأوردو، ويملأ صوت الأم الإسبانية ساحات المدرسة فخورة بلغتها وهويتها.... أما نسبة لا بأس بها من الأمهات العربيات فيتحدثن مع اطفالهن بالإنجليزية. وللأسف أحيانا تكون اللغة ركيكة. وكل هذا يدفعني للتفكير: ما سبب هذه الظاهرة؟

اللغة جزء لا يتجزأ من الهوية!

هنالك شريحة خاصة في مجتمعاتنا العربية من أولاد العرب من لا تتحدث اللغة العربية وهنالك أطفال لا يستطيعون التواصل مع جداتهم وأجدادهم بطلاقة! صحيح أن اللغة الانجليزية لغة التكنولوجيا ولغة العالم العملي أيضاً، ولكن بحرمان طفلك من تعلم اللغة العربية فإنك تحرمين طفلك من الاستمتاع بثقافة غنية. بينما تؤكد الدراسات العلمية الى أن تعلم اللغات يضيء مساحات جديدة في أدمغة الأطفال وإتقان اللغة الأم يساهم في تكوين ونمو وتطور دماغ الطفل.     

ليس الهدف هنا اللوم أو جلد الذات، بل هو التشجيع والوعي!

ويتطلب إتقان اللغة من الأهل تمضية وقت نوعي مع الطفل، والإصرار على أن تكون اللغة المحكية داخل المنزل هي اللغة العربية.

خُلقنا على هذه الأرض لنكون مُستخلفين بها ليكون لنا بصمة ولو صغيرة. من المفيد بأن تسألي نفسك ما هي بصمتك؟ ما هي نقاط القوة لديك ولدى ابنائك قبل أن تتخذ الأم قرار الانجاب من الجدير بها أن تسأل نفسها أولا "ما هي هويتي وما هي أولوياتي في هذه الحياة؟".

 

حساب الخبيرة زينة طهبوب على انستغرام 

    @elevatethejourney

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية