قصص أمهات

طفلي له احتياجات خاصة ولكل منا احتياجاته الخاصة

طفلي له احتياجات خاصة ولكل منا احتياجاته الخاصة
النشر : فبراير 15 , 2020
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023
الدليل الشامل للأمهات في العالم العربي المزيد

بقلم: لمى جمجوم، أم لطفلين

انتظرنا طفلنا الأول بفارغ الصبر، وكان حملي الأول صحيّا وبعيداً عن أية مشاكل والحمدلله، وجاء طفلي الأول فارس بصحة جيدة.
كان تطور فارس في الأشهر الأولى طبيعياً، غير أنه كان يقوم ببعض الحركات الغريبة كما تأخر في البدء بالتواصل. عندما أصبح في السنه الأًولى من عمره أصيب بسخونة شديدة جداً. قمنا باستشارة الأطباء، ورجح أحدهم أن سبب الحمى التهاب معوي ورجح طبيب آخر سبباً آخر، وظلت السخونة في ارتفاع حتى أصبح على وشك التشنج، أدخلناه عندها المستشفى سريعاً. لن أنسى ذلك اليوم أبداً فقد كان بداية المشوار !

كان فارس في عمر السنتين فقط عندما بدأ بأخذ جلسات العلاج بانتظام . كان يبكي بكاءً شديداً في كل مرة؛ أماكن جديدة وأشخاص جدد! وكانت الأمهات الأخريات القادمات للعلاج مع أبنائهن يخففن قلقي قليلاً

عندما كانت الممرضة تحاول إيجاد الوريد لإدخال الإبرة كانت تجرب عدة مرات في رجله وفي يده ولكن شيئاً ما لم يكن على ما يرام.  صوت صراخه جعلني أنهار من البكاء لأنني لم أكن أستطيع عمل أي شيء.
مكثنا في المستشفى لمدة 5 أيام، وبعد خروجنا بمدة شهر تقريباً بدأت أشعر بأن تواصله أصبح أخف من السابق، وأن الكلمتان اللتان كان يقولهما لم يعد يقولهما الآن، كما تأخر في المشي والحركة.
ومن هنا بدأت رحلتنا في البحث عن علاجات مختلفة لمشاكل النطق والحركة والبحث عن العلاج الوظيفي والطبيعي وغيرها.

كان فارس في عمر السنتين فقط عندما بدأ بأخذ جلسات العلاج بانتظام . كان يبكي بكاءً شديداً في كل مرة؛ أماكن جديدة وأشخاص جدد! وكانت الأمهات الأخريات القادمات للعلاج مع أبنائهن يخففن قلقي قليلاً ، وحمدت الله بعد أن رأيت أن مشاكل غيري أكبر وأصعب. وجدت هناك من يستمع لي ويفهم تماماً ما أشعر به وما أقوله، لأنهم مررن بنفس التجربة، وأصبحت هذه اللقاءات في كل مرة هي كل ما أحتاج إليه لكي أمد نفسي بالطاقه اللازمة لإكمال مشواري .

للأسف، يعاني الأهل في بداية مشوارهم في علاج طفلهم من الضياع وعدم الاستدلال على الطريق الصحيح: من أين أبدأ؟ أين انا؟ لماذا أنا؟ وماذا أفعل؟

img_1056

ويدخل الكثير من الأهل في حالة من النكران، ويدخل البعض الاخر، كما حدث لي، في حالةٍ من التفاؤل الجاهل، وقد أسميته كذلك لأنني كنت أستمع إلى كلام الأهل والأصدقاء الذين كانوا دائماً يقولون لي: “لا داعي للقلق، سيتكلم بعد السنة”، “بعد سنتين سيلعب ويتفاعل مع الآخرين!”. كلهم قالوا ذلك بنية الحب والدعم، ولكن للأسف أدى ذلك إلى تثبيط عزائمنا في السعي للحصول على العلاج، وأعطانا أملاً وهمياً بأن الأمور ستكون على ما يرام وأنه ما علينا إلا الانتظار!

لذا أنصحكم كأمهات باتباع غريزتكم والاستماع إلى ما تحصلون عليه من معلومات مفيدة. وهذا ما حدث بعدها.

لقد استنفذنا وما زلنا كل ما نستطيع من جهد مادي ومعنوي في سبيل تحقيق إنجازات بسيطة كان يحققها فارسي البطل. كنّا نعلمه بعض الأشياء التي يعتبرها بعض الأهل بسيطة، في مدة لا تقل عن أشهر طويلة وباستخدام تجارب علاجية عديدة.

رزقنا الله فيما بعد بالشمعة التي أنارت طريقنا (عمر)، والذي كان مولوداً هادئاً وسليماً والحمدلله. أنا لا أذكر الشيء الكثير من السنة الأولى من عمره، لأنني كنت أقضي معظم الوقت مع ابني فارس في جلسات العلاج المتتالية وتلبية طلباته بعدها تقديراً مني لجهده في جميع جلسات العلاج. كنت أشعر بأن فارس بحاجة إلي طوال الوقت!

بالرغم من كل هذا، أصبح عمر مصدراً كبيراً للسعادة والراحة. كنت استغرب واستمتع وأنا أشاهده يقول ويفعل الكثير من الأشياء بذكاء شديد ودون تدريب!

فارس عمره الآن 12 سنة وعمر عمره الآن 9 سنوات، والحب والتواصل الذي يجمعهما هو أفضل علاج منّ الله علينا به. عمر هو السند، وهو مثال للطفل الذي يتقبل الاختلافات بين الأشخاص، والذي يتحمل المسؤولية، علماً بأنه ليس من السهل عليه في بعض الأحيان أن يتفهم سبب اختلاف أخيه الكبير، لكنه يشرح لأصدقائه كل ما يحبه فارس وكل ما يكرهه، ويطلب منهم خفض أصواتهم لأن فارس لا يحب الأصوات المرتفعة !

عندما أعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، أتذكر من طفولة فارس الكثير الكثير من الفحوصات والعلاجات والتخديرات والأطباء والمعالجين وساعات الانتظار والمشاعر المختلفة التي يشعر بها، بالإضافة إلى قلة النوم والركض في الأماكن العامّة للحاق به عندما كان أصغر، ودراما زيارات الحلاق والطبيب، وغيرها من الأمور مثل المأكولات المسموح بها وغير المسموح بها. وبالرغم من كل ذلك أذكر الكثير من الأمل في المستقبل دائماً.

أتأمل أحياناً وأفكر بأن طفولته لا تشبه طفولتي أو طفولة أبيه أو أخيه عمر من ناحية سير الحياة بشكل عفوي، ولكنه سعيد بطريقته المميزة الخاصة، وهو من أضفى على طفولة أخيه وعلينا البركة والأمل وزرع فينا تقبل الآخرين مهما كان فيهم من الضعف.

 أنا إنسانة مختلفة وأم أفضل لعمر، والسبب هو فارس!

فارس يحب ركوب الخيل والسباحة. وهدفي الأول أن يكون مرتاحاً مطمئناً ومعتمداً على نفسه إلى أقصى حد ممكن. إن ما أبحث عنه في أي مكان هو القبول والحب واحترام الاختلاف. أصبحت أشعر بأنه مصدر إلهام لي لأضع أنا ومثيلاتي من الأمهات حجر الأساس في التوعية، فنحن مرآة وصورة إيجابية تنعكس على المجتمع بتقبلنا واحتوائنا وثقتنا بأطفالنا المميزين، وهذا ما يلهم المجتمع ليتفاعل معهم ويحترمهم، لأنهم قادرون بطريقتهم الخاصة المميزة !

أنا أدعوكم من هنا أن لا تنظروا بطريقة سلبية إلى أي طفل يتحدث أو يتحرك بطريقة غير اعتيادية. أدعوكم أن لا تطلقوا الأحكام على الأطفال والأمهات أمامكم. كل أم منا تتمنى أن تكون على ما يرام هي وأطفالها. إن تقبلنا للضعف هو أقوى وأصدق من تقبل الحياة الخالية من المشاكل

فارس طفل بطل ذكي معتمد على نفسه في الكثير من الأمور، وهو لا يكذب ولا يتنمر، وهو ملتزم ومنظم، وضحكته تجعل البيت بل الشارع بأكمله سعيداً، و نحن تعلمنا منه الصبر وعدم الاستسلام والإراده القوية والمحاولة المستمرة والرضا. هم ملائكة تمشي على الارض.

أنا أدعوكم من هنا أن لا تنظروا بطريقة سلبية إلى أي طفل يتحدث أو يتحرك بطريقة غير اعتيادية. أدعوكم أن لا تطلقوا الأحكام على الأطفال والأمهات أمامكم. كل أم منا تتمنى أن تكون على ما يرام هي وأطفالها. إن تقبلنا للضعف هو أقوى وأصدق من تقبل الحياة الخالية من المشاكل. أن أرى أن المسميات والتشخيصات هي ليست الا لضرورة معرفة مسار العلاج الصحيح، ولكنني أرفض أن أسمي ابني إلا فارس ذو الشخصية الطيبة الذكية.

عنده احتياجات خاصة ولكل شخص منا احتياجاته الخاصة أيضاً.



اقرئي أيضاً:

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية