رمضان

خواطر وتأملات في وداع شهر رمضان

خواطر وتأملات في وداع شهر رمضان
النشر : مايو 30 , 2019
آخر تحديث : مارس 23 , 2021
منذ طفولتي بهرتني عوالم القراءة التي أغرتني بالكتابة، احترفت هذه الصنعة بشغف منذ ١٩٩٣ عبر بوابة الصحافة الورقية، ومنها إلى الكتابة والتأليف... المزيد

نودّع شهر رمضان بحزن رغم ظمأ هواجره، وبرغم نهاراته القائظة الطويلة، ونودع لياليه باكين على حلاوة صلاة التراويح والقيام رغم نَصَب الأقدام وتعب الأجسام وقلة المنام.

إنها حلاوة يكتبها الله للعبد مع كل طاعة مهما انطوت على مشقّات، وثمرة يقطفها من جاهد نفسه التي تدعوه للدَّعة والراحة وأقبل على مولاه؛ وكيف لا يقطف ثمرة الطاعة وقد وعده الله تعالى بذلك في حديث قدسي يرويه النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ربه يقول فيه: "قال الله عزّ وجل: إذا تقرّب العبد مني شبرًا تقرّبت منه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة، وإن هرول سعيت إليه، وأنا أسرع بالمغفرة" (متفق عليه).

في كل رمضاناتي السابقة كنت ميّالا إلى أن أصلي التراويح في البيت بهدف إتمام وردي القرآني الذي تشغلني عنه أعمال النهار، ومن أجل الصلاة بزوجتي وحثِّ أبنائي على قيام رمضان، وطلباً لتنزّل البركة في البيت، لكنني لاحظت بعد انتصاف رمضان هذا العام أنهم يتفلّتون من صلاة القيام رغم ترغيبي.

مع بداية العشر الأواخر وفي تلك الأيام الأخيرة التي نودع بها شهر رمضان الفضيل خطرت لي فكرة بأن اصطحب العائلة لصلاة القيام في المسجد، ولما عرضت الأمر على أكثرهم تفلتًا وافق فكانت فاتحة خير، ورأيت منه مبادرة لتلاوة القرآن أثناء استراحة الإمام في صلاة التهجد، وكأن ولدي يريد استدراك تفريطه في ختمته، وفاجأتني صغيرتي ذات العشرة أعوام والتي لم تفطر يوماً برغم النهار الطويل وشدة الحرّ بإصرارها على إتمام صلاة التهجد رغم تعب القيام، وقريب من ذلك ما قالته أختها بأنها تشعر بسعادة لا تستطيع وصف سببها، وأردفت بأنها سعادة أجمل من استمتاعها بجهازها اللوحي.

تفكرت في جنة الطاعة التي يعيشها الصغار قبل الكبار في رمضان، فلم أجد لذلك تفسيرًا إلا أن الحياة الطيبة لا تتحقق إلا في طاعة الله، وأن الصيام في رمضان  كركن من أركان الإسلام تجوع فيه الأجساد نعم، لكن تتغذى فيه الأرواح، وتظمأ فيه العروق لكن النفوس ترتوي برِيّ الإيمان وتستظل فيه بظلال القرآن.

تذكرت فائدة لابن القيّم– رحمه الله- في فهم قوله تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم* وإن الفجّار لفي جحيم" يخلص في فائدته بأن النعيم والجحيم ليس مقصورًا على الآخرة، ففي الدنيا يعيش المؤمن في جنة معرفة الله وطاعته؛ فيحصل له سرور النفس ولذة القلب ونعيم الروح، إنها الجنة التي قال عنها، ابن تيمية- رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة".

اللهم نسألك أن ترزقنا جنة الدنيا وجنة الآخرة، وأن تعيد شهر رمضان على أمة الإسلام وقد جمعتها على حبك وطاعتك، وملأت ربوع بلاد المسلمين بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.

وكل عام وأنتم إلى الله أقرب

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية