قصص أمهات

الجد والجدة... الحضن الدافئ والحصن الآمن

الجد والجدة... الحضن الدافئ والحصن الآمن
النشر : مايو 21 , 2020
آخر تحديث : أغسطس 14 , 2022
عشت في أسرة تحبُّ القصص والشعر والحكايات والموسيقى. لطالما جذبتني الحروف والكلمات والألحان وأنا صغيرة، وبالرغم من دراستي للعلوم الطبية التي استمتعت... المزيد

لا تثقوا بالطقس فهو متقلِّب! فقد نرى الفصول الأربعة في يوم واحد!

لا تثقوا بالناس! فالإنسان موصوم بالأنانية وحب الذات!

عبارات تصل إلى مسامعنا ومسامع الأطفال فتجعلنا نبحث داخلنا عن الشخص الذي يستحق ثقتنا وقبل ذلك كله محبتنا.

وعندما أقلب صفحات طفولتي وأفكر: من هو الشخص الذي كنت أثق بمحبته والذي كانت لديه دائما الإجابات عن تساؤلاتي؟ من هو الشخص الذي كنت أعتقد انه سيمنحني حبَّه ودعمه دون شروط؟ دون توجيه قاسٍ وتعليمات صارمة؟  شخص إذا نظرت في عينيه شعرت بحنان الدنيا وبأني مميَّزة وفريدة في صفاتي... شخص يشعرني بأنني الأذكى والأروع على الإطلاق!

ذات عطلة صيفية وأنا صغيرة مرضت وارتفعت حرارتي، وكنت وقتها أقضي الصيف في منزل جدي. وأثناء اللعب مع أبناء عمومتي نهاراً، تناولت الحلوى والبوظة دون وعي. شعرت بالتوعك ليلاً فاتجهت إلى غرفة جدي وأيقظته دون سواه. حملني إلى عيادة الطوارئ ثم عدت معه إلى غرفته وأعطاني الدواء وسهر معي الليل يضع لي الكمادات ويغلي لي الميرامية وجميع من في المنزل نيام. ولكن، ماهو الدافع الذي جعلني ألجأ إليه دون سواه؟ ربما ابتسامة واحدة مني في وجهه كانت كفيلة بأن لا يؤنِّبني أو ربما كنت أرى فيه الطبيب الذي سيهتم بي وسيفتح لي غرفة في قلبه ويضمني فيها دون عقاب على فعلتي!

بين الأمس والغد... هناك قلب ينبض دائما بالحب... قلب يدعوك وأنت طفل صغير للوثوق به ... وقلب يمنحك عندما تكبر الثقة بالنفس والثبات عند السير على دروب الحياة..

إنه قلب جدّك... قلب جدّتك... مهما مضى بنا العمر فما زلنا نحتفظ لهما بمساحة في ذكرياتنا نستعيدها كلما شعرنا بحاجتنا إلى الفرح أو إلى الأمان.

إنهما الإجابة عن أسئلتي السابقة ومفتاح حلها الأمثل فهما يزرعان الثقة في نفس حفيدهما ويوجهانه لاكتشاف كنوزه الدفينة؛ فيشيران إلى كل ما هو جميل في شخصيته بل ويشاركانه خطواته الأولى في تكوين علاقاته بالمحيط من حوله حيث إن الطفل الصغير يثق بهما وبتجربتهما في الحياة.

يعتقد البعض أن الفارق العمري الكبير بين الأجداد والأحفاد قد يشكل حاجزاً ولكنه من الممكن أن يكون جسراً يثري به الطرفان بعضهما بعضا دون سبق إصرار وترصد. فما سر العلاقة بين الأجداد والأحفاد وما سر تمتعها بهذا الدفء وبهذه الحميمية؟

  • يعيش الآباء مع أبنائهم الحياة بحلوها وبمرها بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقهما، أما مع الأجداد فغالبا ما يشارك الطفل جدَّيْه شعور الأمومة والأبوة بحلوها فقط وتصبح علاقته بهما الملجأ الدافئ والحضن الذي يغمره بالحنان. وهنا ينقل الأجداد إلى أحفادهم الكثير من الخبرات والمعارف الأساسية في الحياة دون تكلف وعناء، لأن الوصف الوظيفي لمهمتهما ليس رعاية الطفل، بل الاستمتاع بمشاعر الأبوة والأمومة مع هذا الحفيد بكل تلقائية ومحبة.
  • من يملك حكايات أكثر يملك عدداً أكبرمن المنصتين، ومهما ابتعدنا عنه سنبحث عنه من وقت لآخر كي نشاركه حكاياته الساحرة، والطفل ينجذب إلى حكايات الجد والجدة لما يمتلكه من فضول نحوهما، فهو يريد أن يعرف عنهما الكثير وعن طريق الحكايات التي قد يسردانها سيطرح الطفل أسئلته عليهما. كيف كان شكل جدتي؟ هل أحببت جدتي يا جدي؟ ماذا كان يفعل بابا في طفولته؟ كل هذه الأسئلة وغيرها ستمد جسراً عاطفيا بين جيلين وتجذبهما إلى بعضهما فالصغار لديهم شغف الاستماع والكبار لديهم شغف سرد الحكايات، والسفر عبر الزمن يعتبر أمراً مخصّباً لخيال الأطفال، ومشبعاً لفضولهم.
  • "جدي يعلمني ويتعلم مني" عبارة سمعتها ذات مرة من أحد الأطفال وقد قالها بفرح شديد لأنه علَّم جده استعمال الهاتف الجوال واستخدام بعض التطبيقات عليه ليتواصل مع أصدقائه. إن العلاقة بين الأجداد والأحفاد علاقة متبادلة، فمثلما ينقل الجد أو الجدة خبرته إلى الطفل فمن الممكن أن يقوم الطفل أيضا بنقل إحدى خبراته إليهما. تبادل المعرفة هذا يوطد العلاقة بينهما ويجعل قضاء الوقت ممتعا بالنسبة للطرفين.
  • تتحسّن صحة الأجداد بمجرد مجالسة أحفادهم، وهذه الملاحظة لمستها بنفسي على صعيد شخصي وربما يعود السبب في ذلك إلى تنمية الشعور بالذات لدى الشخص المسن، وربما يشعره بالنشاط الجسمي أو الذهني.
  • الجد والجدة يرمزان للمناسبات الاجتماعية فهما أحد أهم الأطراف التي ينظر إليها الطفل لمشاركتهما أي احتفال. منزلهما هو المنزل الأول الذي يتوجه إليه الطفل في العيد، ويبدأ الاحتفال بأي مناسبة معهما ومن خلالهما. سيكون الطفل على ثقة بأن الأمور ستجري على ما يرام وبأنه سيحصل على نصيبه من المحبة متمثلاً بهدية أو بعناق حار وقبلة على جبينه.

الجد والجدة... الحضن الدافئ والحصن الآمن، وإنها العلاقة الإنسانية الخالدة التي تشعر الطفل بالثقة وتعزز ذاته وشخصيته وتساعده على الوثوق بالطقس الغائم مهما جرى؛ لأنه يحمل معطف جدته ومظلة جده فيمضي بين فصول السنة بكل اطمئنان، وباب بيت الجدّ والجدّة مفتوح دائمًا، وغرفة المعيشة في بيتهما ستظل ملأى بالصور والذكريات الجميلة.



اقرئي أيضاً:

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية