قصص أمهات

طفلتي تالا ولدت مختلفة لكن جميلة

طفلتي تالا ولدت مختلفة لكن جميلة
النشر : أبريل 07 , 2023
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023

بقلم: هدى المحتسب، أم لأربعة أطفال.

"أولادي هم سبب قوتي".. كثيراً ما كنت أسمع هذه الجملة، ولكنني لم أشعر بها إلا عندما رزقني الله بأولادي وخاصة طفلتي الجميلة تالا. أنا هدى، أم لأربعة أطفال هم: ليان، وجوري، ومصطفى، وتالا الصغيرة التي كانت السبب الرئيسي الذي دفعني لأكتب قصتي وأشارككم تجربتي هنا.

 

كان حملي بتالا طبيعيًّا دون أن أواجه أي مضاعفات أو مشاكل، وخلال أشهر الحمل أجريت صور رباعية الأبعاد (4D) وكانت طبيعية تماماً، إلا أن الطبيب وقبل موعد ولادتي بيوم طلب إعادة الصورة للتأكد من شكوك كانت لديه.

أجريت الصورة مرة أخرى، وأخذت الطبيبة المختصة تشرح ما تراه أمامها على الشاشة، بدأت تصف شكل تالا: "حجم رأسها كبير، أنفها مضغوط إلى الداخل، وأطرافها قصيرة." لم استوعب ما تشرحه وسألتها سؤالاً واحداً: "هل الدماغ سليم؟" فقالت: "لا ندري، من المحتمل أن يكون هناك استسقاء."

360moms - تجربتي، قصة ام، التقزم، الودانة، قصار القامة، ام مع طفلتها تعاني من التقزم

أخذت التقرير وجلست على الرصيف أترجمه ويداي ترتجفان من هول الصدمة! لم تظهر في التقرير سوى كلمات "استسقاء" و"أطراف قصيرة" لكن لم يكن هناك تشخيص واضح، فأسرعت إلى الطبيب وأعطيته التقرير، ليأكد لي شكوكي بأن احتمال وجود استسقاء في الدماغ أمرٌ وارد.

أصبت بالانهيار وبكيت كثيراً خوفاً من المستقبل، فحصني الطبيب أكثر من مرة وأخذ يسألني: "هل عندكم حالات في العائلة من قصار القامة؟" أكدت له عدم وجود أي حالة في العائلة، لم أربط حينها بين التقرير وتشخيصه، حين قال لي: "ابنتك تعاني من التقزم (الودانة)" لا توجد كلمات تصف حجم صدمتي بما سمعته! فأنا لم أفهم بعد، هل يوجد خطر على حياة طفلتي نتيجة إصابتها بالتقزم؟ أم هو مجرد قصر في الأطراف والقامة؟!

 

يوم ولادة تالا واستقبالي لها

تم تحديد موعد العملية في اليوم التالي، وذلك لأن هناك خطر على صحتي نظراً لوجود نزيف في المشيمة واحتمال وارد لاستئصال الرحم. كنت حينها في حالة ضياع تام، فمن ناحية أشعر بالقلق على صحتي ومن ناحية أخرى أفكر بحالة الجنين وكلام الأطباء عنه.

أخبرت أهلي عن وضعي، فكانوا بين مصدوم ومتعاطف وداعم، بكيت كثيراً بين ذراعيهم، وأصر إخوتي أن أذهب إلى طبيب آخر لأعيد الفحوصات، ذهبت وأنا موقنة أن الأوان قد فات، وهناك أعطاني الطبيب تشخيصاً مشابهاً ونصحني أن أتقبل الأمر الواقع فلا شيء يمكن فعله الآن.

رجعت إلى بيتي، تفقدت أولادي وجلست أمام زوجي، أمسكت بيديه ونظرت إلى عينيه والدموع تنهمر من عيني، وقلت: "عزيزي، اخبرني الطبيب أنه يوجد مشكلة في البيبي" فقال لي: "مشكلة ماذا؟" قلت: "يقول إن هناك احتمال وجود استسقاء أو تقزم لا ندري على وجه التحديد". بقي صامتاً لفترة ثم قال: "الحمد لله، نرضى بقضاء الله لعل مقدمها خير علينا"، وبكينا نحن الاثنين ثم سجدنا سجود الشكر لله على ما فضلنا به حين اختارنا من بين كثير من الناس ليعطينا مثل هذه الهدية.

360moms -  التقزم، الودانة، قصار القامة، طفلة تعاني من التقزم

جاء موعد العملية، وتمت والحمدلله على خير، وأول ما أفقت من آثار المخدر طلبت ابنتي لأرى وجهها. جاءت تالا وحملتها بين ذراعي، تأملتها كانت صغيرة ورقيقة جداً، فقلت: "أنفها عادي متلنا! كيف بيحكو إنه داخل لجوا؟!" فحصها الطبيب، وقال: "كل شيء جيد المهم أن الدماغ سليم، لا تقلقي على أي شيء آخر".

 

حيرة وتساؤلات وخوف من المستقبل

رجعت إلى البيت وأسرع أولادي باتجاهي ليروا أختهم الصغيرة، كنت أنظر إلى ملامحهم وأراقب ردود أفعالهم، فقالت لي ابنتي الكبيرة: "ماما لماذا تالا شكلها مختلف؟" فوجدتها فرصةُ سانحة لأشرح لهم حالة تالا وظروفها، فقلت لهم أن الله قد خصنا بهدية جميلة وصغيرة من عنده، وشرحت لهم معلومات بسيطة عن التقزم -والتي كنت أنا نفسي أفتقر لها في ذلك الوقت- فكان منهم أن تجاوبوا معي وفرحوا بهذه الهدية وقرروا حماية أختهم في حال تنمر عليها الناس في الأماكن العامة، وأن يدافعوا عن فكرة الاختلاف والتنوع والتقبل بين الناس في المجتمع.

360moms -  التقزم، الودانة، قصار القامة، طفلة تعاني من التقزم

مر أسبوع على ولادة تالا، أذكر حينها أنني ذهبت إلى الطبيب للمراجعة، كنت أحملها بين ذراعي حينما سألتني مساعدة الطبيب عن حال ابنتي، فرفعت القبعة عن رأسها، وقلت لها: "لقد أرعبتموني بلا فائدة، ابنتي طبيعية، انظري إليها لا تعاني من شيء!" وابتسمت. كنت ما زلت في حالة من عدم التصديق والإنكار لحالتها.

في الحقيقة، لم يكن تقبل الأمر سهلاً في البداية، لذا كنت أتأمل طفلتي كثيراً، وأتحدث إليها عن كل ما يجول في خاطري من أسئلة عن المستقبل دون أن أجد جواباً، ما التحديات التي يمكن أن نواجها في قادم الأيام؟ ومن أين سنحصل على القوة لنكمل المشوار معاً؟ هل سأكون أهلاً لهذه المسؤولية؟ وغير ذلك الكثير..

 

تحديات ومشاكل صحية رافقت حالة طفلتي

وكأي طفل عادي، أرضعت طفلتي رضاعة طبيعية والحمدالله، لكن وبعد مرور ثلاثة أسابيع بدأت التحديات!

في أحد الأيام أثناء الرضاعة اختنقت تالا، فحملتها راكضة إلى المستشفى، وأنا أدعو الله أن تكون بخير، حوّلها الطبيب مباشرةً إلى العناية الحثيثة بسبب ضيق النفس وعدم قدرة جسدها الصغير على تحمل ذلك. كنت كل يوم اشفط الحليب وأخزنه وأذهب إليها لأرضعها في المستشفى، فقد كانت ضعيفة الجسد لا تقوى على الرضاعة بعد. لم تجف دموعي أبداً وأنا أدعو الله أن يحميها ويحفظها لي، حتى إنني أهملت كل شيءٍ في حياتي، وصار شغلي الشاغل تالا… فقط تالا.

وبعد أسبوع وبحمد الله استجابت تالا للعلاج وبدأت تتحسن، وكتب الطبيب ورقه خروجها من المستشفى، وعدت بها إلى البيت وأنا أحملها بين ذراعي وأتأمل تفاصيلها الجميلة.

وعلمت لاحقاً أن السبب الرئيسي لاختناق تالا كان وضعية الرضاعة، فمعظم الذين يعانون من القزامة يعانون من ضيق التنفس ومشاكل أخرى عرفت عنها من خلال تجربتي مع تالا، ورجعت إلى الرضاعة الطبيعية لأنني كنت متأكدة من فوائدها العظيمة وبحمد الله أتمت تالا سنتين ونصف من الرضاعة الطبيعية.

360moms -  التقزم، الودانة، قصار القامة، طفلة تعاني من التقزم

عندما بلغت عمر الستة أشهر واجهتنا نفس مشكلة ضيق التنفس، أدخلنا تالا مرة أخرى إلى المستشفى، في ذلك الوقت تكونت لدي قناعة أن التقزم ليس مجرد قصر في الأطراف، وإنما يصاحبه مشاكل صحية معينة.

بحثت كثيراً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن مجموعات أو أشخاص لديهم نفس حالة تالا، لكن وللأسف، في مجتمعنا العربي لم أجد ما يساعدني سواءً من معلومات طبية أو تجارب لأمهات أخريات، لكني تمكنت أخيراً من التعرف إلى امرأة في العقد الأربعين من عمرها تعاني من التقزم، ساعدتني كثيراً وطمأنتني أنه بإمكاننا أنا وطفلتي أن نتخطى هذه الأزمة.

تواصلت أيضاً مع أهالٍ من بريطانيا وأمريكا وأستراليا لأطفال يعانون من نفس حالة صغيرتي، وساعدوني كثيراً في معرفة كيفية التعامل مع تالا من الناحية الصحية، والفحوصات الدورية اللازمة لها مثل فحص القلب، وفحص الرنين المغناطيسي للدماغ للتأكد من خلوها من السوائل، إضافة إلى فحص السمع، فنتيجة لضيق التنفس كانت تالا تتعرض لالتهابات بشكل دائم، مما يزيد من تجمع السوائل خلف طبلة الأذن ويؤثر على سمعها.

تالا كانت تعاني أيضاً من ارتخاء في الأوتار والعضلات، ولم يكن لديها القدرة على رفع رقبتها أو حتى التقلب من جهة إلى أخرى، عرضتها على الكثير من الأطباء، وقالو اتركيها سوف تشفى مع الوقت، لكنني لم أقتنع فعرضتها على اختصاصي في العلاج الطبيعي، الذي قال لي: "للأسف لقد تأخرتِ كثيراً، لكن سوف نحاول جهدنا".

 

لم أدخر وسعاً من أجل علاج صغيرتي

وبدأنا رحلة العلاج التي استمرت لشهرين، وتالا تعاني وتتألم، لكنها حبيبتي كان لديها قوة إرادة وتصميم على العلاج والوقوف على قدميها. وبالرغم من تعطل الحياة بسبب كورونا إلا أننا لم نيأس وتابعنا العلاج في البيت، وبعد فترة استطاعت تالا الوقوف على قدميها، كانت لحظة جميلة جداً وكنت فخورة بإنجاز صغيرتي.

بدأت معها أيضاً علاجاً من نوع آخر وهو الحجامة، التي ساعدتني كثيراً في تحسين قدرتها على التنفس والتخفيف من مشكلة ارتخاء الأوتار. وفي عمر السنتين تمكنت تالا من المشي والحمدالله.

360moms -  التقزم، الودانة، قصار القامة، طفلة تعاني من التقزم

في هذه الفترة واظبت على تثقيف نفسي عن كل ما يخص حالة طفلتي فلم أكن أترك أي مقال أو منشور متعلق بحالة تالا إلا وأترجمه وأقرؤه بعناية، حتى عاهدت نفسي أن أعمل كل شيء في وسعي من أجل مساعدة تالا وضمان حقها في المجتمع. فأنشأت حساباً في إنستغرام لنشر معلومات توعوية عن قصر الأطراف والتقزم، وتحدثت عن حالة طفلتي أكثر من مرة من خلال الإذاعة لنشر الوعي في المجتمع أولاً، ولتجد أي أم لديها طفل أو طفلة مثل حالة تالا الإجابات والمعلومات التي تحتاجها.

رحلة البحث عن مدرسة

أصبحت تالا بعمر الثلاث سنوات، وقررنا أن تلحق بأقرانها في الحضانة، معظم الحضانات للأسف لم تتعرف على مصطلح القزامة او قصر القامة واعتقدوا أن حالتها لا شك سيصاحبها مشاكل كثيرة فاعتذروا عن قبول تالا، إلى أن وجدت حضانة يعيدة عن بيتي مدة ساعة تقريباً، مديرتها كانت متعاونة وتحرص على نفسية الأطفال كثيراً، في أول يوم تعرضت تالا للحمل من قبل الأطفال كونها صغيرة الحجم نسبياً، واستغربوا كيف يمكن (لبيبي) كما وصفوها أن يتحدث هكذا. لكن تالا استطاعت أن تنسجم مع أقرانها، بالرغم من أنها بلا شك كانت تلاحظ وتسجل في دماغها أنها تختلف قليلاً عنهم من ناحية الطول، فكثيراً ما كانت تسألني لماذا أنا قصيرة وتحاول أن تلبس الأحذية ذات الكعب العالي في البيت لتقنع نفسها أنها بنفس طولهم، وكنت بدوري أحاول دائماً عن طريق القصص أن أشرح لها عن الاختلافات الموجودة في الحياة وأننا نستطيع التعايش معها ما دمنا قادرين على استيعاب حالتنا.

أتمت تالا الأربع سنوات وبدأنا رحلة البحث عن مدرسة تفهم حالتها وتعاملها كأي انسان طبيعي بغض النظر عن قصر القامة، واجهت الرفض من جديد، منهم من كانت حجته أنهم لم يفهموا الحالة ولا كيف يتعاملون معها، ومنهم من طالبني بمبالغ إضافية من أجل مساعدة طفلتي في استخدام المرحاض، فالمشكلة الوحيدة بالنسبة لتالا كانت استخدام المرحاض لوحدها نظراً لعدم قدرتها على الصعود إليه أو تنظيف نفسها.

360moms -  التقزم، الودانة، قصار القامة، طفلة تعاني من التقزم

إلى أن هداني الله إلى روضة بجانب بيتي، قدمت مديرتها وكل الكادر التدريسي الدعم لنا وفتحوا قلوبهم قبل أيديهم لاحتضان تالا بكل اهتمام وحنان. كان شعارهم منذ البداية تقبل الاختلاف بين الأطفال، ووضع تالا في المقدمة لتستمد الثقه بالنفس وتتمكن من الوقوف على قدميها في مواجهة أي تنمر.

 

اللحظة التي جاءتني تالا فيها حزينة باكية

في البداية كانت تالا خجولة تختبئ وراء الأعمدة، كانت المعلمة تمسكها من يدها وتدمجها مع الطلاب. وفي أحد الأيام جاءت تالا من المدرسة حزينة، سألتها: "ماذا لعبت اليوم هل استمتعت بيومك؟" لكن تقوس فمها ونزلت دموعها وصرخت: "لماذا أنا مختلفة؟ لماذا أنا قصيرة وصغيرة؟ متى سوف أكبر مثلهم؟"

تركتها تبكي وتصرخ وتشكو ما في قلبها، ثم حملتها ونزلت بها إلى الشارع العام وبحثت في الأرض عن النمل، وقلت لها: "أنظري النمل مختلف، هناك الأحمر، والبني، والأسود، وهناك الكبير والصغير، ونحن البشر مختلفون في أشكالنا أيضاً، منا الطويل والقصير، ومنا السمين والنحيف، لا يوجد أحد يشبه الثاني".

سمعت تالا كلامي بإمعان وقالت "صح شوفي النملات بعبطوا بعض عادي الصغير مع الكبير"، حاولت أن أقرب الفكرة لها فدر المستطاع. واليوم وبكل فخر نتيجة الدعم النفسي من جهة أهلي وأهل زوجي أصبحت تالا طفلة واثقة بنفسها، اجتماعية تشارك أصحابها ألعابهم وتحكي قصصها لهم وتعبر عن نفسها ورغباتها بشكل واضح.

 

دائماً أقول.. تالا غيرت حياتي

أيقنت من خلال تجربتي البسيطة أن أفضل نصيحة يمكن أن أقدمها لأي أم يخصها الله بهدية مثلما خصني، أن تحب طفلها وتثق بقدراته وتقنع بما قسم الله لها بغض النظر عن كلام الناس ومواقفهم وردود أفعالهم. فالتعايش مع الأمور هو أهم شيء للوصول إلى السلام الداخلي بعيداً عن أي مؤثرات خارجية، كما أن الكثير من الحب والاهتمام يساعد في بناء شخصية سوية قادرة على مواجهة العالم وصد أي تنمر.

وأنا أقولها دائماً: تالا غيرت حياتي، كنت كأي أم عادية، أولاد وتربية وحياة روتينية إلى أن جاءت تالا وغيرت نظام حياتي كله وأصبح لدي قضية أعمل من أجلها، وصوت أحاول إيصاله للعالم، وحقوق أسعى لنيلها.

أحببت أن أشارككم تجربتي الرائعة مع صغيرتي توته، وأن أوعي الناس أكثر بوضعها ووضع غيرها من الأطفال المختلفين الرائعين، لأن معظم الناس تسمع بمصطلح القزامة لكن لا تعرف ما يصاحبه من تبعات صحية ونفسية واجتماعية. وأتمنى أن أستطيع تحقيق ولو جزءاً بسيطاً من واجبي تجاه صغيرتي.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية