قصص أمهات

أتعبتني الأمومة كثيراً حتى وجدت الحل

أتعبتني الأمومة كثيراً حتى وجدت الحل
النشر : أبريل 20 , 2022
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023


بقلم: أمان إغريب، أم لطفلين


منذ مرحلة الثانوية إتخذت القرار بعد أن ظهرت علاماته باكراً في طفولتي حينما كنت ألاعب إخوتي الصغار لعبة أسميناها لعبة المدرسة. عرفت المسار حينها وحددت الوجهة، فكانت دراستي في مجال تربية الطفل ورياض الأطفال، وهو قرار لم أندم عليه يوماً بقدر سعادتي لبلوغي ما أنا فيه اليوم.

تخرجت ثم توظفت حتى أتممت التسع سنوات تقريباً من الخبرة كمعلمة مربية في عدة روضات ومراكز مع بعض الأعمال التطوعية والمبادرات على إختلاف الفئات العمرية وصولاً لليافعين.

تخرجت باكراً بيد أني لم أتوقف عن التعلم يوماً، وأدمنت القراءة في كل المجالات، في التربية تحديداً وبصورة أدق الإسلامية بشكلٍ خاص. انخرطت في مجتمع الأمهات كمربية صغيرة تكتسب الخبرة وقد كنت يقظة نشيطة في مجال عملي دون أن أختبر الأمومة حقيقةً.

حين أصبحت أماً..

أطفال يلعبون بنشاطات مبتكرة في المنزل

بعد مرحلة طويلة من التجارب والخبرات تزوجت وأنجبت طفلين الفارق بينهما سنة وشهران. وكم مررت بصعوبات ونكسات كانت الأشد في حياتي، من بينها اكتئاب ما بعد الولادة والذي دام لعامين كاملين، كنت أعاني نفسياً وأكافح جسدياً كي لا أخون أفكاري ومعرفتي وما يتوجب عليّ فعله تجاه طفليّ، وهذا ما أحسبه أعظم انتصاراتي حتى الآن!

دخلت ذات المجتمع، ولكن هذه المرة بصورة أكثر قرب ودقة فقد أصبحت أماً ومربية بكل معنى الكلمة. كنت قد أدركت تماماً ما يعنيه دور الأم من خلال عملي ومشاهداتي، كما أنني كنت أعرف أهمية إلمامها بمجالات الحياة المختلفة كالتغذية والصحة والتربية والتعليم والدين، وأنه قد يصل الأمر بها أيضاً لتكون معالجة نفسية في بناء العلاقات مع أبنائها ومحيطها. لكنني حين أصبحت أماً فهمت تماماً أين يكمن السر.. سر الأمومة الحقيقي!

طفل ينظر إلى كتاب عن العلوم وأجزاء جسم الإنسان

في مجتمعاتنا تسلب الأم حقها الكامل في العيش كغيرها من البشر، وذلك بسبب مدخلات مشوهة تعبث في عقلها الداخلي فتتسبب بإحداث صراعات داخلية لا تنتهي لديها، ناهيكم عن كم التحديات الجسدية والنفسية المختلفة التي تواجهها كل يوم.

بالنسبة لي، أؤمن أن ما نحتاجه نحن الأمهات كمربيات هو أن نفهم المعنى الحقيقي لتصالحنا مع ذواتنا كبداية وبصورة دقيقة للغاية، فبقدر ما نحمله من فهم ووعي ودراية ودين وأخلاق وقيم وذكاء عاطفي يسمو أطفالنا ويعلو شأنهم ويتطوروا للأفضل، أي أننا نحن سر تشكيلهم وتكوينهم.

في بداية أمومتي، وأنا التي أحب الأطفال كنت أصرخ قائلة "شغل الأم ولا شغل المجانين، بل أسوأ! لو استعباد مو هيك"، نعم كنت أستاء وبسخط، كيف لا وأنا أم لطفلين كالتوأم، حتى أنفاسي محسوبة عليّ وبالكاد أستطيع الجلوس! الأمور قد تكون أفضل حالياً عن ذي قبل إلا أن الأمر لا يخلو من العقبات التي أحسبها لن تنتهي، إلا أن تذمري قد انتهى غالباً بمجرد أن تمكنت من استعادة توازني وتصالحت مع نفسي.

لهذا لا تطلبوا من أم أن تستمتع بالبدايات، لأن المسؤولية التي تشعر بها تفوق غالباً إمكانية الاستمتاع مع بعض الاستثناءات التي تكون نتيجة توفر التسهيلات والإمكانات!

أطفال يلعبون بألعاب حسية في المنزل

فقد صرت ألاحظ أن قدرتي على التحمل وضبط النفس تتطور مع الوقت، ففي إحدى المرات رأيت طفلي وهو يفسد الملابس المغسولة التي رتبتها، فصرخت فيه: "ابراهيم! ليش هيك عملت؟!"، فأجابني وهو يشير إلى إحدى قطع الملابس ببهجة: "ماما بدي جاكيت الديناصور"، فأجبته: "هاتها في وقت ثاني"، لكنني تمالكت نفسي ما إن ذهب باكياُ حضنته وقبلته وشرحت له مشاعره، "نعم أعرف ابراهيم حابب يلبس جاكيت الديناصور لهيك نفل الغسيل"، هز برأسه مؤكداً وهو يبتسم. فأكملت: "ماشي ماما راح تلبس ابراهيم جاكيت الديناصور لكن بعد الأكل مشان تضل نظيفة وجميلة"، قبلني وتصالحنا بحضن وعدت لتكرار طي الملابس من جديد بكل صدر رحب.

بعد تجارب كهذه، يمكنني أن أعطيكم معلومة بسيطة ولطيفة وقيمة المفعول، من المهم أن نعي جيداً نية الطفل خلف كل سلوك ونحاسبه على أساسها وليس على مقدار الضرر الحاصل من السلوك حسب القاعدة التي تقول: "حدثيه كرجل وحاسبيه كطفل". حينها ستدركين ان أبناءك ليسوا أنداداً لك وتوقعاتك لا تماثل تصوراتهم البريئة والنقية، فكوني رحيمة بهم وبأعصابك، وعند كل حدث توقفي وتنفسي ثم تمهلي وتصرفي بحكمة، وبالتدريب والمثابرة ستنجحين صدقيني.


هكذا أرى المعنى الحقيقي للتربية..

طفل يلعب لعبة تركيب صناعة يدوية

في التربية نحتاج عوامل أساسية تقوم على نقطتين رئيسيتين كحجر أساس وهما: أولاً: معرفة أمنة من مصادر علمية ثقافية دينية موثوقة، ثانياً: ارتباط وتواصل أمن ومحب مع الأبناء دون قيود أو حدود أو شروط أن نكون نحن المساحة الأمنة لكافة تساؤولاتهم والحضن المريح المطمئن لكل أخطائهم وعيوبهم، لنعينهم على التصويب والاستمرار بتوازن أكبر وراحة أكثر.

لقد تعلمت مع التربية أنها لا تقوم بلمسة سحرية ولا بكبسة زر، بل هي عملية تحتاج لإعداد وتجهيزات طالما أنني أنا من قررت إنجاب ذلك الكائن الرائع وجلبه إلى هذه الحياة.

واجبي أن أعد نفسي بشكل صحيح ثم أبذل كل مافي وسعي مع أخذي لكافة الأسباب، بيقين كامل بأن ما هو حاصل هو توفيق من الله وحده وهذا كافٍ لتحقيق الرضا في ذاتي!

قد يعتقد البعض خاطئاً أن العمل التربوي مرتع أساسه الأبناء فقط، لكنني أعتقد أن الأساس يكمن في دواخلنا كأمهات ومربين وأهل، ولا زلت أؤكد على ذلك وأشدد وكما أقول دائماً: "ربي حالك بتربي أولادك"، فالتربية تعني أن أعيد ترتيب مافي داخلي وأتقرب من نفسي أكثر، أفهمها أصلحها أهذبها وأعيد ترتيبها وما إن أحسنت وأتقنت تربية الإنسان في داخلي بشكل صحيح وصائب، يصبح الطريق أسهل في تشكيل وهندسة إنسان أخر هو بالمحصلة حصاد بناء أسرتي. يكفي أني أعرف تماماً حقيقة ما أفعل ولماذا وكيف أفعله؟ّ!

إعادة التدوير.. الفن الذي أتقنته من أجل طفليّ

لعبة يدوية للأطفال لضرب الطابات

هديتنا لأبنائنا كمربين هي أن نكون بخير، نفسياً وصحياً، وأن يكون لدينا وعي مستمر ورضا وسعادة وتصالح حقيقي مع العيوب قبل الميزات، ومع نقاط الضعف قبل القوة، على أن نستمر ونسعى في ذلك دون توقف في نهرٍ متجدد من العلم والمعرفة.

 وهذا ما فعلته فعلاً رغم العديد من العقبات كقلة الموارد والإمكانات والتسهيلات، ومن هنا قررت أن أعيد فعل ما أتقنه وهو إعادة تدوير الأشياء، أن أركز على ما أملك لا على ما أريد، وأن أحقق ما أريد بالمواد المتاحة لي فوجدت أن منزلي يمتلك ثروات عديدة رغم بساطة تكلفتها وهي تفي بالغرض المنشود في تطوير فهم أطفالي وزيادة منسوب معارفهم وخبراتهم ومهاراتهم الحياتية. فصنعنا معاً ألعاباً مختلفة، ولكل منتج تجاري استطعنا أن نجد ونصنع البديل المنزلي، بأدوات بسيطة ومع تخصيص القليل من الوقت استطعت أن أبني الكثير من المهارات عند طفليّ في الوقت الذي حصلنا فيه على متعة لا متناهية!

نشاط منزلي ينمي مهارات الأطفال

أجل ليست المادة السبيل الوحيد للمعرفة وإن كان وجودها يمكّنك من تخطي المراحل بصورة أسهل وأسرع، فعادة ما تفتقر شريحة أمهات الطبقات الوسطى والمعدومة للمواد والأدوات وتلك حقيقةٌ لا حاجة لإنكارها، ومع وجود هذا الكم الهائل من العالم الاستهلاكي المفتوح حولهن، دخلن في دوامة بين الممكن والمستحيل!

وحدها الإرادة يمكنها أن تحدث الفارق بحضور الغاية لتحقيق المستحيل، وهذا ما دفعني لأشارك تلك الطبقات تحديداً والتي أنا منها، أن الأم إن أرادت فهي تستطيع بالعلم المصاحب للعمل وضمن الممكن والموجود!

بدأت بعرض تجربتي مع الأمومة تحت عنوان (أمومة أمان)، أرفق من خلالها مراجعات قيمة لكل كتاب تربوي أقرؤه أو سلسلة صوتية اسمعها، وكذلك ما أوفره وأستعيره لأطفالي من قصصٍ وكتب وبعض المقتطفات المستقاة من واقعي الحي وتجربتي المستمرة وأساسيات أعتمدها في تربية طفليّ، فهما كل استثماري في هذه الحياة، وأسأل الله السداد والصواب في رحلتي وتجربتي هذه كأم، والتي أرى من خلالها العالم بصورة تختلف عن سابقاتها.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية