قصص أمهات

تمسكي بهوايتي دعم أمومتي وأصبح من أهم إنجازاتي

تمسكي بهوايتي دعم أمومتي وأصبح من أهم إنجازاتي
النشر : أبريل 26 , 2021
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023
أم لطفلين، هما الامتداد المُشرق بين قلبي والحياة.أبحثُ عن المعنى، عن القيمة في كل شيء. درستُ الصحافة بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز... المزيد

تحكي لنا ( سارة يوسف) - أم لأربعة أطفال قصّتها فتقول: منذ صغري تلفتني التفاصيل الصغيرة للجمال من حولي، أجدني غارقة في تأمل لوحة رسمت بإتقان، أمرر يدي على مسار فرشاة الرسم فيها؛ لأحاكي حركة يد الرسام الذي رسمها، أجمع قصاصات الأوراق الملونة مع ورود طبيعية جففتها، لأصنع منها كروت إهداء، أو بطاقات دعوة، أقدمها بكل سعادة لوالديّ مع هداياي صباح العيد، أو لصديقتي يوم نجاحها.

أحتفظ بشرائط الدانتيل، وحبات اللؤلؤ، أنسقها بكل استمتاع حتى تصير طوقًا رقيقًا يزين شعري، ويبهجني ارتداؤه.

 

وفي المدرسة كانت دروس الرسم والمواد الفنية هي المفضلة عندي، ولطالما أعجبت معلماتي وصديقاتي بما تنتجه أناملي، وقد كانت والدتي -حفظها الله- يهمها اكتشاف المواهب المختلفة لي ولإخوتي، وبناءً على ما تصلُ إليه بحكم خبرتها في طباعنا وميولنا، توجّهنا بنظرتها السديدة ورأيها الراجح لاختيار تخصصاتنا الجامعية ثم المهنية بعد ذلك، وحين لمست شغفي وهواياتي شجعتني على صقل مهارتي في مختلف الفنون؛ تارة مع الرسم والتلوين، وتارة مع الخياطة، وحينًا مع تغليف الهدايا، وآخر مع خَبز الكعك وتزيينه.

 

كنت كلما تخطيت مرحلة دراسية يكبر معي شغفي ويتجدد، وأكتشف عالما ملونًا جميلًا من الفن ، أُبحر فيه، وأحاول تعلم ولو جزءًا بسيطًا منه عبر مواقع الإنترنت والمنتديات، وصولاً إلى اليوتيوب الزاخر بالخطوات التفصيلية والمعلومات الوافية لمختلف الفنون والحرف اليدوية.

كروشيه

 

حين وصلت الى المرحلة الجامعية كنت على مفترق طريق محير؛ ماذا سأختار لتخصصي الجامعي، قدمت أوراقي لكلية الفنون كرغبة أولى، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؛ ولم أُقبل فيها، لكني لم أيأس، وازددت تعلقًا وشغفًا بهواياتي.

 

أثناء دراستي الجامعية لتخصصي البعيد عن الفنون، لم تندثر ميولي وهواياتي المتعددة بل اعتنيتُ بهذه البذرة وسقيتها لتنمو، وقد حضرتُ الكثير من الدورات الفنية، وورش العمل التي تنظمها الجامعة، تعلمت فنونا لم أكن أعرفها سابقا، تنقلت بين فن الكروشيه، وفن صناعة الحلي والمجوهرات، وفن الرسم الجداري، وفن التشكيل بالفخار، وغيرها.

 

خياطة

 

شاركت في معرض جامعتي جامعة الملك عبدالعزيز السنوي الذي يعتني بالفنون ومختلف الحرف اليدوية، وهو (معرض صُنع بيدي) والذي عادة ما تكون آلية المشاركة فيه معقدة، فيجب أن يتم قبول  فكرة المنتج من قبل لجنة تحكيم بشكل مبدئي ثم يقومون بطلب عينات والحمدالله اجتزت هذه المراحل بنجاح    وقد كان المعرض في قاعةٍ كبرى وحضورٍ كثيف ومشاركاتٍ كثيرة متنوعة ومبهرة في جمالها ولم تكن المنافسة هينة، وفي اليوم الختامي للمعرض يُقام حفل ختام تحضره المئات من طالبات الجامعة وروّاد المعرض ويُعلن فيه عن المراكز الأولى الفائزة، وحينها أُعلن حصولي على المركز الأول بفضل الله تعالى، في تجربة جميلة أشعر بالفرح والفخر حين أتذكرها.

 

مرت الأيام وتزوجت وأنجبت ابنتي الأولى، كنت أخشى أن تبعدني مسؤوليات الأمومة ورعاية أسرتي الصغيرة عن فنوني المحببة، وهواياتي الأقرب إلى قلبي؛ الخياطة والتصميم، لكن مع تنظيم الوقت، وحسن الاستغلال استطعت أن أستمر وأنجز ولو كان بالقليل.

 

ولكم كانت سعادتي كبيرة وأنا أنسج بخيوط الكروشيه مع الكثير من الحب؛ غطاءً دافئًا لصغيرتي، أو أحيك لها فستانا ورديًا يُشبه أحلامها، لترتديه وتتباهى به، وتزيده جمالا في عيني.

 

كروشيه لطفلة

 

زينت بيتي ومائدة طعامي بمفارش منسقة؛ وألوان زاهية من صنع يدي، نالت اعجاب أهلي وضيوفي، شجعتني والدتي، وساعدني زوجي؛ على افتتاح متجر صغير أعرض فيه منتجاتي، ترددت كثيرًا متخوفة من أن يشغلني ذلك عن مسؤوليات بيتي ورعاية أطفالي، لكن الأمر كان على خلاف ذلك، إذ زادني قربًا من صغاري؛ أعمل في وجودهم، ولم أضطر للخروج من المنزل لوظيفة تبعدني عنهم.

 

بدأ متجري الذي أسميته متجر زاهي ببداياتٍ صغيرة، وخطًى بطيئة، ثم ما لبث أن نما شيئًا فشيئًا مع الأيام، وازداد توسعًا، أضأت زواياه بالحب، وأشعلت شموع فرح، وقناديل بهجة؛ احتفالًا به، وبعد أن كانت منتجاتي محدودة أنفذها بالطلب لأهلي ومعارفي؛ صارت متاحة للجميع، تزين منازل لا أعرفها، وتنثر الجمال لساكنيها.

 

طقم مائدة

 

لا أنكر أني مررت بفترات انقطاع مؤقته عن العمل والانتاج، وتخللتها إجازات أمومة؛ لكني كنت أعود في كل مرة بشوق لمتجري الصغير وعالمي الملون الجميل.

 

وكم كان شعوري لذيذًا حين أفتح عينايَ كل صباح ولديّ عمل أحبه كثيرًا يجعلني أنهض بكل حماس بعيدًا عن الرتابة والروتين الذي يفرض نفسه على أيام الأمهات ومسؤولياتهن اللامتناهية، فأبادر للقيام بعملي بكل حب وإنجازه، وألمس في نتائجه وردود أفعال عميلاتي ورضاهنّ سعادة الإنجاز.

 

مع مرور الأيام قررتُ أن أوثّقه في منصّة معروف الالكترونية التابعة لوزارة التجارة في السعودية، الهدف من هذه المنصّة هي تعزيز الثقة بالتعاملات في مجال التجارة الإلكترونية بين البائع والمتسوق الإلكتروني، مما زاد ثقة عميلاتي بي. ثم ما لبثتُ أن أصدرت شريحة برقم خاص لمتجري، تلاها إنشاء حسابٍ بنكيّ لتنظيم العمل بشكل أفضل، تمهيدًا لخطوة قادمة للنمو والازدهار باذن الله.

 

خياطة

 

تعلمت من تجربتي الكثير، وحين أرى بداياتي الصغيرة المتواضعة أدرك أن الشغف وحده غير كافٍ لتحقيق النجاح ، فلا بد من عزيمة وإصرار، وصبر وتحدٍ.

أهمس في أذن كل أم؛ تمسكي بحلمك وثابري من أجله، ابحثي عن هواياتك وانعشيها؛ ولو كانت في نظرك بسيطة، فبذرة اليوم تجنين ثمارها غرسًا يانعًا غدًا.

وإن لم تجدي أو تعرفي هوايةً محددة تحبين القيام بها فاستمري بالتجربة، جربي وجربي من كل بحرٍ قطرة ومن كل بستانٍ زهرة حتى تصلي إلى العمل الذي تجدين نفسكِ فيه، وتُمضين الساعات والأوقات الطوال مستغرقةً في خطواته دون شعور منك، وابدئي فيه بلا تردد.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية