العلاقات

مذكرات آدم: فندق أمي الذي يسعنا جميعاً نحن وأطفالنا

مذكرات آدم: فندق أمي الذي يسعنا جميعاً نحن وأطفالنا
النشر : مارس 20 , 2019
آخر تحديث : مايو 19 , 2021
منذ طفولتي بهرتني عوالم القراءة التي أغرتني بالكتابة، احترفت هذه الصنعة بشغف منذ ١٩٩٣ عبر بوابة الصحافة الورقية، ومنها إلى الكتابة والتأليف... المزيد

محادثاتنا الهاتفية قليلة بحكم أنها جارتي وأجلس معها كل يوم، وأحيانا أنام في بيتها، اتصلت بي وأنا في عملي كان صوتها قلقًا، وكانت تريد قول أمر تعتقد أنه في غاية الأهمية؛ قالت: يا ولدي، لا تنسَ ارتداء معطفك، وتغطية وجهك بالوشاح؛ أخشى عليك من المنخفض الجوي!

وعدتها بالطاعة، وأنهيت المكالمة وأنا أفكر بقلبها وروحها الدائبين أبدًا على القلق والتفكير بسبعة من الأولاد والبنات كلهم مستقلون ومتزوجون وأصغرهم على أعتاب الأربعين، تعجبت من عطائها الذي لا ينضب، عطاءً ليس أقله لسانًا يلهج بالدعاء للولد ولولد الولد.

نمت عندها بصحبة أحد أولادي مرة؛ فلم يغمض لها جفن حتى اطمأنت أنها وفرت لنا العشاء والعصائر المنزلية والحلويات مع المشروبات الساخنة ثم الفراش الوثير الدافئ، فقد أشعلت المدفأة في الغرفة التي ننام بها.

ونحن في الفراش تأتي وتسأل: هل ينقصكم شيء؟ هل أزيد عدد الأغطية؟ هل الوسادات مريحة؟ أجابها ابني بظرافة: جدتي لم نجد هذا الاهتمام في الفندق! قلت: أكيد، فبيت أمي أفضل من فنادق فئة خمس أو حتى سبع نجوم! ابتسمت أمي وانصرفت لتنام، لكن الأمر لم ينته بعد؛ فقد رأيتها تتسلل بهدوء مرتين لتغطي ابني الذي من عادته أن يتكشّف عند النوم!

وفي إحدى المرات حين تأخرت في طوارئ المستشفى مع ابني المريض إلى ما بعد منتصف الليل، وجدناها عندما عدنا تنتظرنا عند بابها لتطمئن على صحته مع أنها في العادة تأوي لفراشها مبكرًا.

لن يستغرب القراء من أفعال أمي لأن أمهاتهم تصنع لهم أشياء مماثلة، ويعيش كل واحد منهم في قلب اهتمامات أمه.

إن حب الأمهات لأولادهن يختلف بالتأكيد عن أي حبٍّ آخر؛ لأنه يأتي دون تكلف أو إعداد مسبق، ولأنه حب لا ينتظر مقابلًا، وهنا يكمن الفرق الكبير بين حبهم لنا وحبنا لهن، ولهذا الفرق الهائل بين الحبين فإني دائمًا أشعر بالتقصير تجاه أمي وأنا أراها تغمرني بعطائها المتصل وحبها غير المحدود، ثم أتذكر أنني لا أستطيع أن أكافئها، فأترك الأمر لله تعالى القادر وحده على مكافأتها عني. 

فأطمئن عندما أتذكر أنه جعل الجنة تحت قدميها؛ في الحديث الشريف أن رجلًا جاء للنبي- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يجاهد معه فلما عرف النبي أن أمه محتاجة إليه قال له: "ويحك الزم رجلها فثمَّ الجنة".

إن أمهاتنا لا يطلبن أن نلزم أقدامهن فلا نلتفت لغيرهن، ولا يطلبن أن نبذل لهن الأموال والهدايا، إن كل ما يُرِدنه هو الاحترام والتوقير، وبعض الالتفات وقليل من الاستماع، والكلمة الطيبة والبسمة الحانية، ولأن الله كريم وفضله عظيم، ولأنه شكور يجازي بالكثير على العمل القليل؛ فإن من يفعل ذلك لأمه سيعوضه الله أرزاقا ربما أقلها شأنا هو المال، ففوقه أرزاق كريمة أخرى منها صلاح الحال، وهدوء البال، وانشراح الصدر، وبر الأبناء، وحب الناس.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية