قصص أمهات

مذكرات أم عاملة: إما أن تتواجدي بكامل كيانك أو لا تتواجدي

مذكرات أم عاملة: إما أن تتواجدي بكامل كيانك أو لا تتواجدي
النشر : أبريل 17 , 2016
آخر تحديث : أبريل 25 , 2021
ياسمينة امرأة متزوجة و أم لولدين تحت سن العاشرة.  بدأت سيرتها المهنية عام 1999، و بالرغم من العديد من التحديات، استطاعت الإستمرار بتحقيق... المزيد

الحلقة الأولى: إما أن تتواجدي بكامل كيانك... أو لا تتواجدي أبداً.. لا يوجد "منطقة وسطى"

وأخيراً! جاء مساء الخميس، ذلك الوقت من اليوم الذي انهيت فيه العمل و البدء باستقبال عطلة نهاية الأسبوع.  سمعت رنين الهاتف لحظة توجهي للخارج، ورأيت اسم مديري على الشاشة. لا يمكن أن يكون هذا أمر جيدا، أليس كذلك؟ تم استدعائي لإجتماع قصير، فتوجهت الى مكتبه.

كان يعرفني تمام المعرفة، ولم يكن من الصعب عليه أن يرى أنني كنت أجر نفسي جراً إلى داخل المكتب، ولهذا راعى شعوري وجعل الحديث مختصراً مفيداً.

سألني، "أين أنتِ؟".. ماذا تعني! هل هذه مزحة؟!.. ثم أكمل:" أنتِ لستِ نفس الشخص الذي تركنا قبل ثلاثة أشهر، إني أتساءل إلى أين ذهبت؟"... هل أنت جاد! نعم، أنت محق جداً، أنا لست نفس الشخص الذي غادر قبل ثلاثة أشهر! أصبحت أكبر بمقاسين، ومرهقة جداً من ليالي السهر، و ماذا عن الطفل الرضيع الذي أتركه كل صباح لكي آتي إلى هنا! و .. و …و... ثم قرّرَت هذه الأفكار المحبوسة في رأسي خيانتي، وتحولت إلى دموع كبيرة تنهمر على وجهي، آخذة معها كحل عينيَ وما تبقى من كبريائي….

نعم، أنت محق جداً، أنا لست نفس الشخص الذي غادر قبل ثلاثة أشهر! أصبحت أكبر بمقاسين، ومرهقة جداً من ليالي السهر، و ماذا عن الطفل الرضيع الذي أتركه كل صباح لكي آتي إلى هنا!

كانت هذه سنتي التاسعة كامرأة عاملة، تسع سنوات من الإجتهاد و الأداء المتميز… لم أتصور يوما بأنني سأجد نفسي في مثل هذا الموقف.

لطالما حلمت بأني سأصبح في المستقبل واحدة من أهم سيدات الأعمال في مجالي. و ها أنا اليوم، عيوني دامعة وقلبي منكسر. لم أرى هذا المشهد في أي من أحلامي، و لم أكن جاهزة للتعامل مع مثل هذه المشاعر.

أدركت حينها أنني لست أمرأة خارقة، وأنني لا أستطيع أن أحصل على كل شيء في نفس الوقت، وأدركت أن علامات الإرهاق واضحة على وجهي و على تصرفاتي – لقد كان هذا أول أسبوع لي في العمل بعد إجازة الأمومة، وكما ترون، لم تكن تلك العودة القوية التي كنت أريدها.

كما قلت في البداية، مديري اختصر الحديث فأكمل: " لا بأس، هذه المشاعر طبيعية. لديك الكثير من الأمور و التحديات في الوقت الحالي – ولكن عليك -لحظة بدء العمل- أن تقدمي كل ما لديك من جهد، هذه هي الطريقة الوحيدة لجعل كل هذا جدير بالعناء". وقبل أن أفكر: " لا أعتقد أنني أستطيع الاستمرار، علي أن استقيل".

يا إلهي! هل قلت ذلك بصوت عالٍ؟ كيف استطعت ذلك! المزيد من الدموع.. المزيد المزيد من الدموع. "وهذا أيضاً لا بأس به"، قال بصوت هادئ،" ولكن عليك أن تتخذي قرارك، وعليك اتخاذه بسرعة".

غمرتني الكثير من المشاعر؛ الحب، الغضب، الإحباط، نكران الذات، والشعور بالذنب.

الشعور بالذنب لعدم قيامي بدور الأمومة على مدار الساعة، والشعور بالذنب لأنني لا أملك الشجاعة لمواكبة مسيرتي العملية، والشعور بالذنب لإظهار مشاعري والبكاء من أعماق قلبي..

إن الشعور بالذنب شعور خبيث، وإذا سمحت له بالسيطرة عليك – ستجدين لنفسك أسباباً كافية للشعور بالذنب مهما فعلتِ.

في ذلك اليوم، خرجت من العمل وكأنه آخر يوم لي هناك، و كأن جزء مني اتخذ القرار في تلك اللحظة.

تمر عطلة نهاية الأسبوع بسرعة عادةً، وعندما تكونين بحاجة لمزيد من الوقت لاتخاذ قرار مصيري، فإنها تمر بسرعة البرق. و لكن لا بد من اتخاذ القرار قبل عودتي يوم الأحد.

تارة كنت مصممة على الاستقالة للتركيز على عائلتي، و تارة أخرى و جدت نفسي مصممة على العودة و التوفيق بين مختلف المهام  المتوقعة مني. و لكن عندما حانت لحظة القرار، استلم عقلي زمام الأمور، و علمت حينها بأنني لا أستطيع التخلي عن سيرتي المهنية بهذه السهولة.

عدت صباح الأحد وبداخلي شعور متجدد بالطاقة والتصميم. أردت أن أعطي 100% من ذاتي، ليس من أجل إرضاء مديري ولا من أجل زملائي في العمل. أردت ذلك لنفسي.

لقد أنقذني رئيسي في العمل، بالرغم من كرهي له في الـ 48 ساعة الأولى من تلك المحادثة. لقد أنقذني من أكبر قوة سلبية - نفسي.

لقد أنقذني رئيسي في العمل، بالرغم من كرهي له في الـ 48 ساعة الأولى من تلك المحادثة. لقد أنقذني من أكبر قوة سلبية - نفسي.

هناك شيء مميز في سعينا وراء تحقيق أحلامنا، شيئ  يبعث السعادة، الأمل، الشعور بالثقة، والنشاط المتجدد.

والأجمل أن هذه  المشاعر الإيجابية تفيض إلى  حياتنا الخاصة: في المنزل، مع الأطفال والعائلة والأصدقاء - أليست هذه أفضل النتائج والجميع فيها رابحون؟

كلما تذكرت هذا اليوم، تغمرني الإبتسامة. لقد غير حياتي، وكانت نقطة تحوّل لم أعد بعدها إلى إعادة التفكير والنظر الى الوراء.

كل واحدة منا ستقف على ذات مفترق الطرق في وقت ما من حياتها - عندما يأتي دورك لاتخاذ القرار، مهما كان قرارك، تأكدي من إعطاء 100% من مجهودك، ولا تنظري إلى الوراء.

لقد اخترت أن أكون أماً عاملة، و إن كان قرارك مثلي، اسمحي لي أن أرحب بك على متن هذا االقارب المضطرب.

إذا وجدت نفسك تتساءلين، "هل أنا أم جيدة؟"، "هل أقضي وقتاً كافياً مع أطفالي؟"، "كيف أبقي زوجي في قائمة أولوياتي"، لأنه أول من يُنسى من بين الأولويات التي تتنافس على وقتك  - إذن فقد أتيت إلى المكان الصحيح.

أنا لا أدّعي بأنني خبيرة في هذا المجال، مازلت أمر بلحظات الشعور بالذنب وغيرها من المشاعر- ولكنها أصبحت أقل تكراراً الآن –  فلابد من أنني أقوم بشيء ما بطريقة صحيحة!

سأكتب عن التوازن بين الحياة والعمل، وكيف تستغلين وقتك بالشكل الأمثل في المكتب وخارجه، وسأعطيك بعض النصائح التي ستساعدك على تمضية وقت نوعي إضافي مع من تحبين. كما آمل أن أقنعك بإيجاد وقت خاص بك، بدون الشعور بالذنب!

إنها رحلة مثيرة من أجل تحقيق الذات، وأنا لا استطيع الانتظار لآخذك معي في هذه الرحلة. إذا كنت قد قرأت لحد الآن، فلابد من أنك مهتمة ومتحمسة أيضاً! إذن فلنبدأ الرحلة!

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية