قصص أمهات

أم صغيرة بقلب كبير تسكنه روح زوج رحل

أم صغيرة بقلب كبير تسكنه روح زوج رحل
النشر : يونيو 10 , 2020
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023

بقلم: نور سكجها، أم لثلاثة أطفال

وضعت أطفالي في أسرتهم، ثم أمسكت بهاتفي المحمول لأتصل بك لأطمئن عليك وأطمئنك عن حالنا وأوافيك بآخر الأخبار، لأخبرك كم أننا نفتقدك وكم نتمنى أن تكون معنا في أقرب وقت.. إلا أنني لم أكن أعلم يومها أنها كانت آخر مكالمة بيننا..

لم يمر على اتصالنا أكثر من خمس دقائق، كنت تظهر لي من خلال الشاشة مبتسماً تتحدث بطريقتك المعتادة حتى وضعت يدك على صدرك متألماً أمامي، تغمض عينيك محاولاً إخفاء حجم الألم الجاثم على صدرك.. وأنا لا حيلة لي إلا أن أصرخ من بعد أميال عنك أطلب منك أن تنادي أي أحد ممن هم حولك لمساعدتك..

كانت هذه آخر مرة أراك فيها.. مبتعداً عن كاميرا الهاتف تتألم وتطلب من زميلك أن يأخذك إلى أقرب مستشفى بسرعة.. انتهت المكالمة.. مكالمتنا الأخيرة! وأنا أتلوى في جحيم القلق والخوف.. كانت لحظات صعبة لن أنساها ما حييت..

لم تكن الساعات التالية سهلة ابداً.. بل كانت أصعب وأطول ساعات عشتها في حياتي كلها.. أتصل لكن دون أي إجابة منك.. أرسل الرسائل لكنك لا تقرؤها.. حتى بلغني أنك فارقت الحياة قبل وصولك إلى المستشفى..

في اللحظة التي توقف فيها قلبك عن النبض وعلمت بذلك تمنيت لو أن قلبي يتوقف أيضاً.. وأن أرحل معك وألا نفترق أبداً كما تعاهدنا.. إلا أنني تذكرت أطفالي.. فأنا أم! وعلي ألا أستسلم لمثل هذه الأفكار..

لكن ماذا سأفعل الآن؟ كيف أبلغ أطفالي وماذا أقول لهم؟!.. أبوهم رحل دون وداع! كيف سيستوعبون ذلك وكيف سأمهد الأمر لهم؟ هل أقول الحقيقة أم أكذب؟ هل أضعهم في هذا الموقف الصعب؟ وهل سيحتملون كل هذا؟

نحن الأمهات قراراتنا وخياراتنا ليست سهلة أبداً وضعفنا غير مسموح به على الإطلاق!

بعد مرور ثلاثة شهور أنا اليوم أم صغيرة لثلاثة أطفال.. أحمل قلباً كبيراً تسكنه روح زوج وصديق وحبيب رحل...رزقت حبه مدة 12 عاماً فكانت ثمرة هذا الحب كل من: ميرا، وآية واسماعيل (11، 7،7) ...هم كنزي وقوتي وسبب صمودي ووقوفي قوية أمام مصاعب الحياة..

حزني عليه لن ينطفئ، وذكرياتي معه ستبقى حية ما حييت.. الأغاني والأماكن والكلمات والصور التي جمعتنا لن تتركني.. أما أسئلة أطفالي عن الموت والقدر فلن تنتهي أيضاً بل ستزداد حدة وصراحة كلما أدركوا أن الحياة بدون حضن الأب وحنانه وحمايته صعبة ينقصها الكثير..

عرفت حينها أنني يجب أن أكون مستعدة لكل هذا.. كل ما في الأمر هو أن أتعلم كيف أدير مشاعري.. أن أحزن في الوقت المناسب وأن أفرح في الوقت المناسب أيضاً.. أن أثقف نفسي من المصادر الصحيحة لأجيب على أسئلة أطفالي بالطريقة التي يحتاجون وبحسب أعمارهم.. ألا أطبق أو أصدق كل ما أسمع دون أن أتوثق.. وأن استشير كل من لدي ثقه بهم من أصحاب الاختصاص..

وأن أعتني بنفسي وبصحتي وألا أترك نفسي للاكتئاب وأن اطلب المساعدة كلما احتجت إليها..أن أتقبل أوقات ضعفي وأن أمارس أحسن الطرق لأعيد تأهيل نفسي شيئاً فشيئاً، وألا أقلد غيري لمجرد أنهم مروا بتجربتي.. ألا أقارن نفسي وأولادي بأحد..

ما زال أمامي الكثير وأنا أعلم أنني ما زلت في بداية الطريق في خطواتي الأولى، وأن مسؤولياتي كبيرة ومتعبة، لست أرملة بخبرة واسعة في كيفية إدارة الأمور وحدي، إلا أنني مدركة ومؤمنة أن الخطوات الواثقة الأولى هي بداية مشوار الألف ميل، والتسليم للقدر هو الوسيلة الوحيدة للاستمرار، وأن ثقتي بنفسي وإيماني بها هو ما يسندني ويدعمني في مشوار الحياة وتحدياتها..

مهما كانت معاناتك، لا تتركيها تتحكم بيومك ومشاعرك واختياراتك.. ومهما كانت الصعوبات.. "إنتِ قدها"

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية