قصص أمهات

قصة سمية وابنها وكيف تغلبا على تحدي

قصة سمية وابنها وكيف تغلبا على تحدي
النشر : فبراير 23 , 2017
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023
الدليل الشامل للأمهات في العالم العربي المزيد

بقلم: سمية خلوصي جوال 

أنا ربة منزل وأم مثل أي أم تعتني بأطفالها وزوجها وتقوم بواجباتها المنزلية، حياة روتينية تخلو من أي تجديد، حتى جاء الوقت وعرفت أني حامل بطفلي الثالث. هذا الحمل لم يكن مخططاً له أبداً، لا جسدياً ولا نفسياً. لكن، قررنا أنا وزوجي الاحتفاظ بالطفل وبدأنا بالتحضير لاستقباله أنا وإخوانه، سيف وكرم.

كان حملاً متعباً شاقاً، أجريت الفحص الرباعي الأبعاد على الأسبوع العشرين وكان كل شيء مطمئناً بلا أي مشاكل. وحتى عندما حان وقت الولادة، كانت ولادة طبيعية وتكللت بالنجاح. بعد ساعات جاءت الممرضة ومعها ابني "سند"، الذي لم أكن قد اخترت اسماً له بعد.

1

كان طفلاً جميلاً بصحه ممتازة ووزنه ٤ كيلو جرام، كأي أم أحببت أن أرضعه، تفاجأت بحكم خبرتي أنه لم يستطع مص الحليب بالشكل المطلوب، نظرت إلى داخل فمه فلمحت فتحه لكني لم أشك للحظه أنها مشكله! أخذته الممرضة مني وأعادته الى قسم الأطفال، في المساء أتى زوجي إلى غرفتي ليخبرني أن طبيب الأطفال يريد التحدث إلي عن عيب خلقي بسيط في الطفل، قلت له أنها الفتحة التي في حلقه، استغرب زوجي من معرفتي بالموضوع! دخل الطبيب بعد ذلك، وبدأ يشرح لنا أنه عيب خلقي بسيط جداً لا يؤثر على أي شيء وأن هذه الفتحة ستغلق لوحدها مع الوقت، وأن سند سوف يرضع ويعيش مثل أي طفل طبيعي.

لكن بقيت المخاوف تساورني وكنت أشعر أن هنالك مشكلة لم أعرف بوجودها حتى الآن.، فقمت بأخذه إلى طبيب أطفال آخر، الذي أخبرني أن المشكلة بحليب الأم؛ أنه غير دسم ويجب إعطاؤه حليب صناعي. حاولت إخباره عن عدم قدرة ابني على المص ولكنه لم يكترث لكلامي، حتى أنه لم يسمعني!

عدت في اليوم التالي الى المنزل وهنا كانت بداية الرحلة مع سند؛ كنت أرضعه ولكنه لم يكن يشعر بالشبع، مع أن الرضعة الواحدة كانت تأخذ من ثلاث إلى أربع ساعات! مضى الأسبوع الأول بدون أي تحسن برضاعته وبدأت ألاحظ أن لون خروجه لم يتغير، فمن المعروف أن لونه يتغير فور بدء نزول الحليب للطفل. لحسن الحظ لي صديقة، وهي طبيبة أطفال، قالت لي أنه من الممكن أن يكون ضعيف في المص وأنه يجب علي أشفط حليبي واعطيه اياه بالزجاجة. لكن بقيت المخاوف تساورني وكنت أشعر أن هنالك مشكلة لم أعرف بوجودها حتى الآن.، فقمت بأخذه إلى طبيب أطفال آخر، الذي أخبرني أن المشكلة بحليب الأم؛ أنه غير دسم ويجب إعطاؤه حليب صناعي. حاولت إخباره عن عدم قدرة ابني على المص ولكنه لم يكترث لكلامي، حتى أنه لم يسمعني!

received_1706662012883655

بقي الحال كما هو وأنا اراقب ابني يخسر من وزنه شيئاً فشيئاً، إلى أن ذهبت في أحد الأيام إلى صيدلية لأقضي بعد الحاجات وأخبرتني الصيدلانية التي تعمل هناك عن وجود رضاعة مخصصة لحالات شق سقف الحلق والشفة الأرنبية. وبالفعل أحضرتها ولأول مره منذ وقت طويل شعرت أن ابني قد أحس بالشبع أخيراً. بعد هذه التجربة، اتخذت قراراً أن أتثقف عن سبب هذا التشوه ومشاكله.

بدأت في البحث في المواقع العربية، كانت كلها تتحدث عن الموضوع بصورة طبية بحته تدخلك كأم في متاهات وحيرة أكثر من تقديم المساعدة والعون. فلجأت إلى المواقع الأجنبية، ووجدت أنها تحدثني كأم. تفاجأت بوجود مواقع ومجموعات تهتم بمشاعر الأمهات وتأخذ بيدهم منذ بداية هذه الرحلة حتى موعد العملية.

قمت بالتواصل مع هذه المجموعات، قاموا بتوفير كل ما أحتاجه من معلومات؛ عن كيفية القيام بالرضاعة، حيث لا يجب أن تكون بوضعية النوم، وأن تناول وجبة من الطعام قد تأخذ وقتاً طويلاً حتى أتجنب أن يتعرض طفلي للشرق أو الاستفراغ نتيجة دخول الأكل للمجرى التنفسي، كيفية التعامل مع الالتهابات والرشح المتكرر وأنسب وضعية للنوم. وقاموا بالتوضيح أن الشق في سقف الحلق يعمل على تأخير التسنين والنطق. عندها فهمت لماذا لا يستطيع ابني مناداة ابيه "بابا" ولذلك لعدم وجود مخرج لحرف الباء. قدموا لي الكثير من المعلومات المهمة التي ساعدتني كثيراً على أن أكون قوية وألا اكترث   لكلام الناس عن وزن طفلي وتعليقاتهم عدم اهتمامي بأكله وتغذيته.

img-20160815-wa0210

في ذلك الوقت، تم تأخير عملية سند مرتين وذلك لصغر حجم الفك، حان موعدها عندما أصبح عمره سنة وشهرين. حاولت مراراً أن أكون قوية، ولكني لم أستطع تخيل العملية وما الذي سيحدث وهو في داخلها. انتظرت بفارغ الصبر خروجه من العملية، وبالفعل خرج ابني وتم استدعائي للدخول على غرفة الانعاش، صدمت من المشهد، كان الدم يغطي كامل وجهه. كانت صدمتي الأكبر عندما استعاد سند وعيه من التخدير وهو يبكي بشدة والدم يخرج من فمه بكثرة حد الاختناق! لم أعرف ماذا أفعل، حتى سمعت صوتاً يصرخ على من داخلي، "هل ستقفين هكذا تراقبين بكاء ابنك؟". اقتربت منه واحتضنته ووضعته على كتفي، لم اكترث للدماء ولا لملابسي، كان همي الوحيد أن اطمئنه وأني هنا بجانبه، وبالفعل هدأت من روعه وعاد إلى النوم. لم تستمر فتره الألم والبكاء أكثر من خمس ساعات ذلك اليوم. كما أن مدة النقاهة والعناية لم تأخذ أكثر من   أسبوعين، ونجح سند في العودة إلى حياته الطبيعية بعد شهر من العملية.

img-20170223-wa0040

بعد مرورنا في كل هذا، لاحظت أني ضيعت أجمل الأيام مع ابني وأنا قلقة من عملية دامت آلامها خمس ساعات فقط. فبدأت بالتساؤل، "لماذا لا أنبه أماً في حيرة وقلق أنها عملية سهلة ونتائجها مبهرة؟". نبعت من هنا فكرة إنشاء مجموعة للدعم على الفيس بوك، وأطلقت عليها اسم "تجمع داعم لأهالي شق سقف الحلق والشفة الأرنبية". قمت بنشرها أكثر من موقع للأمهات.  حيث كنت أجمع معلومات من مواقع أجنبية وأجيب على استفسارات الأمهات التي تصلني عن هذا الموضوع. بعد فترة من الزمن، سمعت عن جمعية "عملية ابتسامة"، وجدت أن هذه الجمعية قد تأسست في الولايات المتحدة الامريكية وقامت بفتح فروع لها في الدول الأقل حظا، وذلك لإجراء عمليات مجانية للأطفال المصابين بشق سقف الحلق والشفة الأرنبية. وبالفعل، قمت بالاتصال مع فرعهم بالأردن وطلبت منهم تحويل الحالات لي حتى أساعدهم بالمعلومات التي أملكها كأم. فقدموا لي اقتراحاً بأن انضم إلى فريق دعم الأمهات لديهم، الذي كان الفريق الأول الذي تم انشاؤه في كافة فروع الجمعية. بدأت في التطوع معهم منذ حملتهم الأولى، حيث تعرفت على الكثير من الأمهات وقمت بمساعدتهم عن طريق توفير كافة المعلومات التي يحتاجونها. وهنا -الحمد لله- أيقنت أن سبب اختيار الل هذا الامتحان لي؛ أن أكون سبب ووسيلة تقوم بدعم الأمهات حتى يستطعن الوصول إلى أفضل طرق العناية بأطفالهن. وبتوفيق من الله، وصلت المجموعة إلى ٣٠٠ عائلة في الوطن العربي والأعداد في تزايد. أمّا عن سند، ذهبت كل مشاكله بعد العملية ونطق بابا بعد شهرين من إجرائها، كانت من أسعد اللحظات في حياتي، التي لم تعد روتينية أبداً بعد ذلك.

بعد مرورنا في كل هذا، لاحظت أني ضيعت أجمل الأيام مع ابني وأنا قلقة من عملية دامت آلامها خمس ساعات فقط. فبدأت بالتساؤل، "لماذا لا أنبه أماً في حيرة وقلق أنها عملية سهلة ونتائجها مبهرة؟". نبعت من هنا فكرة إنشاء مجموعة للدعم على الفيس بوك، وأطلقت عليها اسم "تجمع داعم لأهالي شق سقف الحلق والشفة الأرنبية".

رسالتي إلى كل أم اختارها الله وأعطاها طفلاً بعيب خلقي تجميلي بالشفة وسقف الحلق؛ أنا وأنت رزقنا بطفل عنده تشوه من أبسط أنواع التشوه، حيث أن دماغ طفلك يعمل بكفاءة عالية مثل أي طفل طبيعي. وعليك معرفة أن طفلك يملك الإحساس، يلعب، يتعلم، ويمشي ويتحرك متل جميع الأطفال. ابنك جميل بكل صفاته، فإذا أنت لم تنظري اليه بعين الكمال لا تتوقعي من المجتمع أن يعتبره كاملاً. قفي كل يوم مع طفلك أمام المرآة واجعليه يردد هذه العبارات من بعدك، "أنا قوي، أنا جميل، أنا لا أختلف عن غيري، أنا لست الأفضل لكني مميز، أنا حبيب ماما وبابا". بعد زرع مثل هذه العبارات في طفلك، أؤكد لك أنه مهما تعرض لإساءات من المجتمع، سيقوم بمواجهتها بكل قوته، ﻷنك أنت من زرع فيه هذه القوة.

أنا أرى أنني أعيش مع ابني مغامرة وتجربة جديدة وأن الله اختارنا حتى يميزنا عن غير الناس. لذلك إذا سألك ابنك يوما ماً عن سبب اختلاف شفته ووجود ندبه واضحة، قومي بإجابته بأن الناس صاحبة القلوب الطيبة والتي تمتلك القوة ميزها الله بعلامة على وجهها. عيشي معه في عالمه الخاص واخرطيه بالمجتمع واشكري الله على نعمه طفلك ليلاً ونهاراً.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية