مذكرات

مذكرات آدم: تراثنا الشعبي يظلم النساء

مذكرات آدم: تراثنا الشعبي يظلم النساء
النشر : ديسمبر 15 , 2019
آخر تحديث : يونيو 25 , 2021
منذ طفولتي بهرتني عوالم القراءة التي أغرتني بالكتابة، احترفت هذه الصنعة بشغف منذ ١٩٩٣ عبر بوابة الصحافة الورقية، ومنها إلى الكتابة والتأليف... المزيد

وأنا أقود سيارتي أوقفتني إشارة حمراء لأجد أمامي شاحنة كتب صاحبها عليها: "وراء كل رجل مديون امرأة"، قد يكون صاحبنا تحمّل ديوناً بسبب زوجته، فانتقم لنفسه بتحريف الحكمة القائلة: "وراء كل رجل عظيم امرأة".

وبصرف النظر عن تجربة سائق الشاحنة فإن هناك مظلمة كبيرة للنساء تشكَّلت في العقل الجمعي للمجتمع بشكل عام وصارت من المُسلَّمات والبديهيات حتى عند ضحايا هذه المظلمة أنفسهن.

ما أعنيه هنا مجموعة من الأمثال الشعبية التي تحولت لأحكام مسبقة وتعميمات جائرة وسيفاً مصلتاً على رقبة المرأة ومن ذلك قولهم:

 

"طاعة الستات تورِّث الخيبات" لماذا؟!

لأن "النسوان مصائد الشيطان"!!

وهل الرجال مبرؤون من الشر واتباع الشيطان؟

لا، ولكن "الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة"...

 

وبهذه الطريقة الفجَّة والتعميمات المسبقة، فإن المرأة تتحول في العقل الجمعي لشرٍ لابد منه. وتصل الجرأة بالبعض أن يضفي القدسية والحصانة لهذه الأمثال بنسبتها لمعلم البشرية وسيد ولد آدم – صلى الله عليه وسلم – مثل كذبهم بجعلهم عبارة "شاوروهن وخالفوهن" حديثا شريفاً!

وفي هذا زور وبهتان عظيم وفرية يتبوأ بسببها قائلها وناقلها وناشرها مقعده من النار لأن كذبا على النبي ليس ككذب على أحد، بل إن هذه العبارة ليست ضمن الأحاديث لا الضعيفة ولا حتى الموضوعة.

 

وإن الناظر لحياة خير النبيين يجد أنه كان يفعل عكس ذلك تماما فكان يشاور النساء وينزل على رأيهن ويأمر بالأخذ عنهن؛ فها هو يأمر الصحابة بأن يأخذوا دينهم عن عائشة – رضي الله عنها – ولننظر كيف أخذ برأي إحدى زوجاته في قضية مصيرية حدثت في السنة السادسة للهجرة حيث صحبته أم سلمة -رضي الله عنها- عندما أراد العمرة مع أصحابه فأبت قريش أن تسمح لهم وبعد مفاوضات اتفق النبي مع قريش على صلح الحديبية، فحزن أصحابه أشد الحزن لردهم عن البيت الحرام ولأنهم ظنوا أن النزول على شروط قريش ذلة للإسلام وأهله.

 

فلما أمرهم أن يُحَلوا من إحرامهم بقوله: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات!! فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة - رضي الله عنها -: يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر هديه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا.."، فأنقذت أم سلمة بعقلها الراجح ورأيها المسدد المسلمين من عقوبة مخالفة أمر نبيهم.

إن هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وسنته القولية والعملية في النساء يجب أن تكون الحاكمة على الأمثال الشعبية المضطهدة للمرأة، والتي وصلت الجرأة فيمن اخترعها ونشرها أن يعزِّي من ماتت له بنت بالقول: "موت البنات من المكرمات"!!

 

يجب على المسلم أن ينهل في التعامل مع النساء من هدي خير البرية الذي وجّهنا أن نستوصي بالنساء خيراً، وهو الذي اعتبرهن خير ما في الدنيا فقال: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة".

وهو الذي جعلهن شريكات للرجال وعاب وقبّح من يهينهن فقال: "إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهُنَّ إلا لئيم"، وهو صلى الله عليه وسلم الذي أحب بناته وحفيداته حبا جما، وقال لمبغضي البنات: "لا تكرهوا البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات".

وبالعودة لصاحب الشاحنة الناقم على زوجته فأقول أن المستعرض لسير أمهاتنا ونسائنا في مجتمعاتنا العربية سيجد دون أدنى شك أنهن مضحيات بأموالهن في سبيل الزوج والولد.

 

ولقد صار معروفا بين الناس أن الرجل إذا ضاقت به الدنيا أو أراد أن يحصل على تمويل لمشروع ما، فإن أول ما يفزع إنما يفزع لحليّ وذهب زوجته أو ميراثها، فتعطيه ذلك لا كدين عليه تسديده وإنما عن طيب نفس.

أعرف امرأة رضيت أن تتزوج بحليٍّ مقلدة.

أعرف امرأة تنازلت عن جزء كبير من المهر.

أعرف امرأة تساهم مع زوجها في الإنفاق على مصاريف البيت.

أعرف امرأة تتفقد محفظة زوجها لا لتفتيشها بل لتدس فيها المال إذا شعرت بأنها خالية الوفاض.

أعرف امرأة تثمن تضحيات زوجها ونسيانه نفسه من تجديد الملابس، فتشتري له وتجعلها مفاجأة.

لا تقولوا أني أحلم فتلك المرأة هي زوجتي.

 

 

*مصدر الصورة الرئيسية من موقع twipu.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية