قصص أمهات

عرفت منذ اللحظة الأولى أن عصبيتي لن تنفع طفلي بشيء

عرفت منذ اللحظة الأولى أن عصبيتي لن تنفع طفلي بشيء
النشر : يوليو 16 , 2020
آخر تحديث : أغسطس 02 , 2022
د. نرمين  حاصلة على بكالوريوس طب بشري جامعة المنصورة في تخصص طب الأسرة. كما أنها أخصائية تعديل سلوك معتمد من جامعة عين... المزيد

لم أشعر بنفسي إلا وأصابعي الباردة تلمس خده الدافئ بعنف!

شعرتُ بالدماء تتجمد في عروقي وكل الغضب الذي كان يعصف بي منذ ثانيةٍ واحدة تلاشى ليحل محله الخزي والخوف! واجهتني نظراته الدامعة، لم يبكِ لم يصرخ لكنه فقط نظر إلي محدقاً بي وفيما صنعت يدي!

وكأنه يواجهني بنفسي ليكشف لي عن زيفي وزيف كل شيء في داخلي كنتُ أؤمنُ به منذ دقائق قليلة، ويؤكد لي مدى ضعفي أمام غضبي وبحثي عن مثاليةٍ لا أمتلكها، بل وأتوقعها منه في كل وقت!

ضممته فوراً، لكنه لم يتكلم، لم ينظر إلي، لم يبكِ، فقط ترك شعور الزيف يتضاعف بداخلي ليملأ ذرات الهواء من حولي حتي كدتُ أختنق!

اعتذرتُ له كثيراً وطلبت منه أن يسامحني، وأخذتُ أبرر موقفي وأشرح له لماذا خطأه أغضبني كثيراً حتى لم أتمالك نفسي، اقتنع وقبل اعتذاري وتركني ليلعب وكأن شيئاً لم يكن!

لكنني أبداً لم أسامح نفسي ولم أقتنع بمبرراتي التي كنتُ أشرحها منذ ثوانٍ بمنتهى الثبات، فقط أخذَ الصدى يتردد بداخلي.. هل كان الأمر حقاً يستحق!

مر وقتٌ طويل على ذلك الحادث، لكن الغصة ما زالت تملأ قلبي كلما تذكرت ذلك اليوم، لم أعد أذكر السبب الذي أغضبني إلى هذا الحد!

لكنني ما زلت أتذكر نظراته المصدومة وانكساري في عينيه الصغيرتين.

بالأمس قلتُ له عرضاً ونحن نلعب أني فخورةٌ به، وأن عليه ألا يخشى شيئا أبداً ما دمتُ هنا!

لكن رده كان صادماً حين قال: أنا أخشى أن تضربيني مثل المرة الماضية!

كانت تلك المرة الأولى التي يشير فيها إلى ذلك اليوم! كنتُ أظن واهمةً أنه نسي وصفح عني!

أخذت أتلعثم بكلماتٍ غير مترابطة أحاول تبرير موقفي، ولأؤكد له مراراً أني لم أضربه من قبل ولن أضربه أبداً ثانيةً، اعتذرتُ كثيراً مجدداً من كل قلبي، وطلبت منه أن يسامحني فأخبرني أنه قد فعل!

لكنني أدركتُ في داخلي أنه لن ينسى أبداً، مثلما أتذكر كل مرة ضربتني فيها أمي ولم أغفر أبداً!

قررتُ أنني لن أتوقف عن الاعتذار أبداً حتى يصفح! ولن أسامح نفسي وإن سامحني!

...

"الغضب يعمي الأبصار ويذهب بالقلوب"

لكن المرة الأولى قد تكون البداية وقد تكون الأخيرة، في كلتا الحالتين لن ينسى طفلك ولن يغفر، لكن القرار بيدك!

لكِ الاختيار وله التصرف، وفي كل الحالات عليكِ تحمل نتيجة القرار طوال حياتك، فلا شئ يُنسي! ستظل ذكريات طفولته تلاحقكما أبد الدهر، حتى يكبر فإما حب وإما عداء!

لكِ الاختيار.. ‼️

مازالت هناك فرصة للخلاص والإصلاح، فاغتنميها قبل فوات الاوان، إن كنتِ تضربين أطفالك فتوقفي لدقيقةٍ وأجيبي عن هذا السؤال "لماذا أضربهم؟ هل كان خطؤهم حقاً يستحق!"

أجيبي بصدق بلا تبريرات، وتذكري في كل الأحوال أن الضرب لا يُقوِّم، لا يربي، لا يهذب! فقط يبرهن مدى ضعفك وقلة حيلتك، يكسر صورتك في عين أطفالك ويشوه ذكراك في قلوبهم للأبد!

إن كنتِ تضربين أطفالك فتوقفي الآن.. وإلى الأبد! واجتهدي أن تجعليهم يسامحونك، لربما تصفح قلوبهم عنكِ يوماً!

الأطفال لا يردعهم العقاب ولا يتذكرون الخوف ولن تستطيعي ملاحقتهم في كل مكان لا تراه عينكِ لترهيبهم!

وحده الحب سيرافقهم دوماً في قلوبهم، احترامكِ والرغبة في إسعادك، ونظرة الحب والفخر في عينيكِ فقط ما سيردعهم، الحزم مطلوب والقوانين ضرورية، لكن الطريقة وحدها هي التي ستحدد استجابتهم والتزامهم.

إن ضربتهم ليلاً ونهاراً وصرختِ في وجوههم بنِيةِ تربيتهم وتعليمهم؛ أؤكدُ لكِ أنهم لا يسمعونكِ أصلاً ولا يفهمون لماذا تضربينهم!

يشعرون بالألم والمهانة فقط ولا يفهمون سوى أنكِ تؤذينهم، وأؤكد لكِ أن الخطأ الذي عاقبتهم لأجله سيتكرر مراراً وتكراراً ولن ينتهي أبداً!

لأنهم لم يفهموا أصلا سبب عقابهم وإن فهموه قد يلجؤون لتكراره فقط رداً لاعتبارهم، ورغبةً في الانتقام منكِ وإغضابكِ لأنك تؤذينهم وتقهرينهم وتستغلين ضعفهم!

ستكتشفين بعد عدة أعوام من تلك الطريقة أنكِ صنعت بيديك عدواً لدوداً يفعل أي شيء وكل شيء لإغضابك وكسر قواعدك ورؤيتك غاضبة حزينة.. فقط ليرد اعتباره وينتقم!

إن كنتِ تضربين أطفالك فتوقفي الآن وإلى الأبد، أنت الآن تفوقينهم حجماً وهم يرونك تقهرينهم وتؤذينهم، غداً سيكبرون وربما سيفوقونكِ طولاً وحينها لن يجدي ندم أو إصلاحٍ لذلك العدو الذي صنعتِهِ بنفسك. 

لم يفُت الأوانُ بعد.. بإمكانك البدء الآن وإصلاح كل شيء بالتدريج، بالطبع لن يتغير الأمر بين ليلةٍ وضحاها!

" فالتربيةُ صبرٌ وجهد ومزيدٌ من الصبر والجهد والدعاء أولاً وأخيراً"..
....

في السطور القادمة بعض الخطوات الأساسية التي يمكنكِ اتباعها للتغيير والتربية بحُب:

  1. الحب في كل وقتٍ بلا شرط

يجب أن تترسخ في أذهان صغاركم أنكِ تحبينهم دائماً وأبداً، مهما كانت الظروف، مهما كانت الأخطاء، تحبينهم بلا شرط ولا قيد، أخبريهم صراحةً بمميزاتهم وذكريهم كل حينٍ أنكِ تحبينهم، احتضنيهم في كل وقت وبلا سبب حتى تتشبع قلوبهم الصغيرة بالحب والأمان.

 

  1. قوانين َواضحة لا تتغير

عليكِ وضع القوانين قبل وقوع الأخطاء مثل: لا نسكب ولا نلهو بالطعام، نحترم الكبير، لا نكسر، نلتزم بوقت الدرس إلى آخره.

أخبريهم بقوانينك هذه في وقت يكونون فيه هادئين مستمعين لك، وحددي عواقب كل فعل وخطورته أو فوائده، ذكريهم أن تلك القوانين هي لمصلحتهم وخوفاً عليهم وحباً لهم..

 

  1. عقاب بلا ضرب

بالطبع سيحدث الخطأ وسيتكرر عليك حينها أن تكوني حازمة وصارمة، وأن تقرري العقاب بالتناسب مع الخطأ، ويكون هذا بين منعهم من شيء يحبونه أو خصام.

اطلبي منهم بحزم إصلاح الخطأ أو مساعدتك في إصلاحه، فتحمّل المسؤولية وعواقب أفعالهم وأن لكل فعل رد فعل هو الدرس الذي تريدين إيصاله لهم، فيفكرون ألف مرة قبل تكرار ذلك الخطأ مجدداً في المستقبل.

 

  1. الحوار وإبداء الأسباب أولاً وأخيراً

بعد انتهاء التوتر وإصلاح الأخطاء والاعتذار، عليكِ تذكيرهم مرة أخيرة بعواقب الخطأ وأسباب غضبك وحزنك منهم بهدوء، وبهذه الطريقة يترسخ لديهم أسباب خطئهم فيتعلمون ويتفادونه في المرات القادمة.

 

  1. تغافلي عن الهفوات

قيِّمي الموقف بعيداً عن تعبك وإرهاقك وتغافلي إن كان الأمر لا يستحق أو بغيرِ قصد، وذكريهم بالقوانين بطريقة لطيفة.

لا تعاقبيهم على الأخطاء مُجتمعة ولا تذكريهم بها في كل حين، ذلك سيعزز من احترامك لديهم، وسيؤكد لهم أنك تثقين بهم وتحبينهم.
 

تذكري أنك في كل يوم تضعين حجر بناء جديد لدى طفلك الصغير ليصبح شاباً.. فإما عدو وإما صديق..

"أحسنوا إليهم صغاراً.. يحسنوا إليكم كباراً.."

تذكري دائماً وأبداً أن تطلبي العون من الله على تربيتهم وأن يلهمكِ الصواب ويرزقك القوة والصبر للإحسان إليهم وتربيتهم بحب.

ادعي الله أن يصنعهم على عينه الكريم وأن يحفظهم من كل شر..


اقرئي أيضاً:

بدائل العقاب في التعامل مع السلوك غير المرغوب فيه
سنة بدون عقوبات أو مكافآت
كل ما تحتاجين معرفته عن نوبات الغضب لدى الأطفال
الشيء الوحيد الذي تحتاجونه للتعامل مع سلوكيات أطفالكم الصغار
٣ طرق مدهشة للتعامل مع نوبات غضب طفلك

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية