قصص أمهات

رحلتي مع الأمومة في أول عام.. مفاجأة لم أتوقعها!

رحلتي مع الأمومة في أول عام.. مفاجأة لم أتوقعها!
النشر : يونيو 29 , 2020
آخر تحديث : يناير 30 , 2024
منار دغلس أم لطفلة واحدة. عملت كمعلمة لغة إنجليزية بدوام كامل منذ تخرجها من الجامعة الأردنية بدرجة البكالوريوس في أدب اللغة الإنجليزية... المزيد

أذكر جيداً أول مرة لي على ظهر الرولر كوستر، لم تكن ببساطة وبطء تلك التي للأطفال الصغار، بل كانت من النوع الحقيقي المخيف الذي يجعل قلبك يقفز من مكانه!

يبدأ هذا النوع من الرحلات ببطء شديد، تحصل على تذكرتك، تقف في طابور الانتظار، تجلس في مقعدك ثم.. تنطلق!

في البداية تكون مرحلة الصعود إلى الأعلى رائعة جداً ومذهلة تشعرك بالاسترخاء بطريقة ما، ثم تصل إلى لحظة مفاجئة تستجمع فيها أنفاسك استعداداً للهبوط، بعد ذلك يبدأ الجزء الأكثر إمتاعاً وإثارة في الرحلة كلها، وهو ما جئت من أجله منذ البداية!

رحلتي كأم جديدة كانت شبيهة بكل هذا...

صورة لأم تبتسم

بانتظار الصعود إلى الرولر كوستر، نيسان 2019

كان ذلك قبل أسبوعين من موعد ولادتي، كنت في ذلك الوقت متوترة لدرجة أنني قد أنفجر بالصراخ والغضب في وجه أحدهم إذا سألني: "لماذا لم تلدي إلى الآن؟"!

شعرت في تلك المرحلة بالكثير.. النوم كان تحد كبير بالنسبة لي، كنت أضع الكثير من الوسائد لتدعم جسمي لأتمكن من أخذ قسط بسيط من الراحة وطفلتي الصغيرة في داخلي تركل بقوة..

كنت أسمع الأطباء يحدثونني عن "تكلس المشيمة"، ماذا يعني هذا؟ هل ستكون طفلتي بخير؟ ما الذي ينتظرني؟ ... إلى أن حان وقت الولادة!


لحظات ما قبل الهبوط بالرولر كوستر، 20 نيسان 2019

حائط مزيين بزينة لمولودة جديدة اسمها جمانة وأم تحمل صورتها بيدها

على الرغم من أنني كنت لا أزال تحت تأثير المخدر، إلا أن الفيديوهات التي التقطها أصدقائي في المشفى أظهرت اللحظة التي استقبلت فيها طفلتي الصغيرة عندما جاؤوني بها إلى غرفتي. 

حين قلت بغير وعي مني: "يا إلهي! إنها تشبه ساندويش البوريتو!".. كنت أتلعثم بالكلام.. لدرجة أنني مندهشة إلى الآن كيف اعتقدت الممرضات أن وضع الطفلة في حضني كانت فكرة جيدة!

كل شيءٍ فيها كان صغيراً وجميلاً.. شعرت بسيل من العواطف والأحاسيس لم أختبره من قبل، أردت فقط أن أحتضنها بين ذراعي وألا أتركها أبداً.. أن أتنفس رائحتها لأطول مدة ممكنة..

وقد شاهدتها أيضاً وهي ترتاح على صدر زوجي من رحلتها الطويلة الشاقة لتقدم إلينا.. إلى عالمنا، كانت تشعر بالأمان والحب في حضنه الدافئ.

سيطرت علي مشاعر مختلطة من الفرح والسعادة والخوف والقلق! فأنا كأي أم جديدة، كنت خائفة ألا أعرف ما يجب فعله!

لكنني قلت في نفسي: "لا داعي للقلق، فأنا كنت قد قرأت أربعة كتب عن التربية وأساليبها، ولا شك سأتدبر أمري إذا ما رجعت لكل الملاحظات التي كتبتها، كما أن طفلتي لابد ستستجيب لي كما هو موجود في الكتب! أليس كذلك؟!".. لكن لا.. لم يكن هذا هو الواقع!

الهبوط بالرولر كوستر، أول أربعة شهور من رحلة الأمومة

صورة لعربة أطفال في الحديقة

أذكر أنني كنت أشعر باستمرار أنني لم أفعل ما يجب علي فعله، وأنني لم أكن تلك الأم التي تحتاجها طفلتي الصغيرة.

نظرت إلى غيري من الأمهات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت جميع أمورهن مع أطفالهن تبدو تحت السيطرة، فتساءلت في نفسي: "هل الخطأ مني؟ لماذا فشلت في التعافي من تجربة ولادتي جسدياً ونفسياً وعاطفياً".

إلا أنني أدركت أن الصورة الجذابة للأمومة التي كنت أراها في كل مكان وفي مواقع التواصل الاجتماعي ما هي إلا صورة مفلترة للواقع، وهي جزء بسيط من رحلة هؤلاء الأمهات في الحقيقة.

فأنا على الرغم من أنني قد حصلت على كل الدعم الذي يمكن أن تتمناه كل أم جديدة، إلا أنني شعرت بالعجز أيضاَ! فحرماني من النوم لم يكن بالأمر الهين أبداً.. وكان أثره علي واضحاً جداً!

لم أستطع النوم حتى عندما كان أحدهم يعتني بطفلتي الصغيرة، وكأن جسدي قد اعتاد على قلة النوم لأنني كنت دائماً أشعر بالذنب تجاه طفلتي إذا غفوت أو ارتحت قليلاً.

كانت هذه لحظات ضعفي، لكن ذات يوم، نظرت إلي طفلتي بابتسامتها الرقيقة وهي تتأملني وكأنها تطمئنني وتقول لي: "لا بأس ماما، أنت تستطيعين فعل هذا!"، ليذهب كل التعب والإرهاق الذي شعرت به كأنه لم يكن، فقط بهذه البساطة!

والآن أنا أصعد مجدداً على ظهر الرولر كوستر

صورة للطفلة جمانة ترتدي المصاصة

استغرقني عام كامل لأدرك أنني الأم التي تحتاجها طفلتي!

تجربتي خلال أول عام لي كأم هي ملكي أنا.. وأنا وحدي

كل الليالي الطويلة التي سهرتها، الابتسامات والضحكات الجميلة، الفرح والتعب والدموع.. كلها تجربتي الخاصة!

وهذا ما يهم..

اعلمي عزيزتي الأم أن توقعاتك عن شكل الأم الذي ينبغي أن تكونيه ستطاردك دائماً، لذلك عليك أن تدركي أنك تملكين غريزة الأم، وهي غريزة مدهشة وسحرية.. واقعية وجميلة.. مهما كانت الخيارات التي يملي عليك قلبك اتخاذها.

كل يوم يأتي وفي داخله الكثير من التحديات.. لكن النعم في هذه التحديات هي الأعظم وما يدوم حقاً.

إذا كنتِ تتوقعين قدوم طفلك الأول، أو أنك تشعرين بالقلق بشأن ولادة طفلك الثاني أو الثالث، استرخي. قد يبدو كل شيء مجهولاً الآن، لكن لا بأس في ذلك.

الحياة التي يمكنك التنبؤ بكل تفاصيلها هي حياة مملة على كل حال!

صورة لأم تحمل طفلتها الصغيرة بيدها

لذا ها أنا، بعد 14 شهراً من الولادة، أشاهد طفلتي الجميلة تتلفظ بكلمتها الأولى، والتي بالمناسبة لم تكن "ماما" بل كانت "بطة"!

لم أكن أعرف أن هذه الكلمة المكونة من ثلاثة أحرف ستكون بكل هذا الجمال.. وأنني حين أسمعها سأشعر بهذا الحجم من السعادة والفرح الذي يبهج القلب!

لقد تعلمت أن أتخلى عن الشكل الذي توقعته لرحلتي مع الأمومة وأن أستمتع بكل جزء من رحلتي الحقيقية.

كل تحدٍ أو مشقة واجهتها خلال العام الماضي الذي أعدت فيه صياغة نفسي وتوقعاتي أعطاني المزيد من القوة والتقدير لذاتي كأم وكامرأة وكإنسان.

هذا الصباح، وبعد ليلة طويلة وأنا أكافح من أجل أن تنام صغيرتي طوال الليل، نظرت إليها وابتسمت لي وهي ترفع ذراعيها الصغيرتين تحاول الوصول إلي، دون أن تكترث بعيوني المنتفخة، ولا بمظهري الشاحب والمرهق. هذه اللحظة هنا وحدها كانت كفيلة لإسكات أي شك لدي بأنني أم جيدة بما يكفي من أجل طفلتي.

لذا سألزم مقعدي في هذه الرحلة.. رحلة الأمومة.. مهما صعبت وطالما أمكنني ذلك، وسأستمتع بكل هبوط أو بكل صعود يواجهني بسعادة وحب وامتنان.

 

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية